مقطتفات من الشعر العربي القديم والحديث
إبن الرومي- العصر العباسي
من قصيدة له واصفًا المغنية
«وحيد»
تتغنَّى كأنها لا تُغَنِّي من سكونِ الأوصالِ وهي تُجيدِ
لا تَراها هناك تَجْحَظُ عينٌ لك منها ولا يَدِرُّ وريدُ
من هُدُوٍّ وليس فيه انْقِطاعٌ وشُجُوٍّ وما به تبليدُ
مَدَّ في شأو صوتها نَفَسٌ كافٍ كأنفاس عاشقيها مَديدُ
وأرقَّ الدلالُ والغُنْجُ منه وبَراهُ الشَّجا فكاد يبيدُ
فتراه يموت طَوْراً ويحيا مُسْتَلَذّاً بَسِيطُهُ والنَّشِيدُ
فيه وَشْيٌ وفيه حَلْيٌ من النَّغِمَ صوغٌ يختال فيه القصيدُ
طاب فُوها وما تُرَجِّعُ فيه كلُّ شَيْءٍ لها بذاك شهيدُ
ثَغَبٌ يَنْقَعُ الصَّدَى وغِناءٌ عنده يوجد السرورُ الفقيدُ
فلها الدَّهْرَ لاثِمٌ مُسْتَزيدٌ ولها الدهر سامع مُسْتَعيدُ
الشاعرة العراقية نازك الملائكة
1923م./1342 هـ
الليلُ يسألُ من أنا أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ أنا من أكون؟
والريحُ تسأل من أنا أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ فإذا بلغنا المُنْحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ فإِذا فضاءْ!
والدهرُ يسألُ من أنا أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ أنا أخلقُ الماضي البعيدْ
من فتنةِ الأمل الرغيدْ وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمسًا جديدْ غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ من أنا أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَل يحجُبُه سراب وأظلّ أحسبُهُ دنا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ وخبا وغابْ
الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي
1934-1909 م./ 1327-1353 هـ
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر
كَذلِكَ قَالَـتْ لِـيَ الكَائِنَاتُ وَحَدّثَنـي رُوحُـهَا المُسْتَتِر
الشاعر بطرس البستاني
١٨٧٦ -١٩٣٣م
عن حب الوطن
سوادُ العينِ يا وطني فداكا! وقلبي لا يوَدُّ سوى عُلاكا!
نشأتُ على هواكَ فتى وفياّ وما عَودتَني إِلا وفاكا!
رضِعتُ مع الحليب هواكَ طفلاً فعززني وشرَّفني هواكا!
فما لي في سِواك حمى منيعٌ وهل يَحمي بنيك سوى حماكا؟
لأَنتَ حديقتي ونعيمُ روحي وحسبي نعمةً أني أراكا!
سأنشرُ في الورى ذكراك حتى يفوحَ بكل ناحيةٍ شذاكا
عليك وقفتُ يا وطني حياتي وما أشهى المنيةَ في رضاكا!