رحيل زياد الرحباني صوت لبنان الثائر والجريء والمتفرد

عند انتشار خبر رحيل زياد الرحباني، تمنى الكثير من الناس أن يكون الخبر مجرد شائعة، لكن سرعان ما تأكد خبر غياب الفنان الكبير الذي فارق الحياة صباح يوم السبت 26 يوليو في إحدى مستشفيات بيروت بعد صراعٍ طويل مع المرض. حزنٌ كبير يعيشه لبنان والعالم العربي منذ إعلان الوفاة، ولم تتسع الفضاءات الرقمية وصفحات الوسائل الإعلامية بكلمات الرثاء والتقدير على رحيل مبدعٍ لن يتكرر.
View this post on Instagram
وعلى الرغم من الموت المتنقل الذي نعيشه يومياً في عالمنا العربي إلا أنّ رحيل زياد الرحباني لا يشبه أيّ رحيل وترك حزناً كبيراً في كل منزل وشارع اعتاد على أن يستفيق ويغفو على ألحانه ونغماته وكلماته.
زياد الرحباني ساهم في تشكيل وعي جيل بأكمله
View this post on Instagram
مكانة زياد الرحباني، متشعبة الأركان، هو الموسيقي الذي أحدث ثورة في عالم الموسيقى مازجاً بين النغمات العربية والعالمية بأسلوبه الخاص، يشبهه ويعبر عن تمرده وأفكاره وآرائه وأحلامه. وهو الذي قدم أولى ألحانه وكان بعمر 14 ربيعاً فقط. وهو الكاتب المسرحي الذي باتت مسرحياته بوصلة للكثيرين ووسيلة لتشكيل وعيهم السياسي والاجتماعي، وعكست الواقع اللبناني السياسي وتركيبته الطائفية الهشة. زياد الرحباني نجح في توصيف الواقع اللبناني وتكلم عن مستقبل وطن تخبط بحروبه الأهلية الصغيرة المتنقلة وتنبأ بهذه الحروب قبل وقوعها.
View this post on Instagram
وهو المخرج المسرحي الذي قدم أسلوب جديد في الإخراج المسرحي السلس والبسيط والمبدع على حدٍ سواء. وهو الناقد الذي كتب وحلل في السياسة مسلطاً الضوء على قضايا المجتمع ومشاكله. زياد الرحباني الفنان الشامل، لا يشبه إلا نفسه خرج من عباءة عائلته الفنية الكبيرة وتمرد على فكر عاصي الرحباني والده وقدم لوالدته السيدة فيروز أعمال وألحان شكلت منعطفاً بارزاً في مسيرتها الفنية.
البداية من مسرح الرحابنة ليتفرد بعدها بأسلوبه الخاص
View this post on Instagram
وُلد الفنان زياد الرحباني، في 1 كانون الثاني/يناير 1956 في بلدة أنطلياس، وهو الابن الأكبر لفيروز وعاصي الرحباني، أحد مؤسسي المدرسة الموسيقية والمسرحية اللبنانية الحديثة. بدأ ممارسة الموسيقى منذ طفولته، فكان يترك دروسه المدرسية ليتابع ألحان والده، وفي عام 1967–1968 كتب أول ديوان شعري/نثري بعنوان صديقي الله، نشره له والده.
View this post on Instagram
وفي الرابعة عشرة من عمره لحّن أولى أغنياته بعنوان ضلّك حبّيني يا لوزية سنة 1971، التي أدتها المطربة هدى، شقيقة والدته فيروز، ثم جاءت فرصته الذهبية عام 1973 عندما عهد إليه والده بتلحين أغنية سألوني الناس لفيروز أثناء مرض عاصي ودخوله المستشفى. وشارك كذلك في مسرحية المحطة بدور الشرطي، كما مثّل لاحقًا في مسرحية ميس الريم.
View this post on Instagram
كتب وأخرج أولى مسرحياته الخاصة سهرية عام 1973، تلتها نزل السرور عام 1974، ثم بالنسبة لبكرا شو؟ في عام 1978، وفيلم أميركي طويل عام 1980 وشي فاشل عام 1983، التي مثلت تحولاً واضحًا نحو المسرح السياسي الواقعي والنقد الاجتماعي بأسلوب ساخر .
الموسيقى والإبداع بأسلوب جديد وعصري
View this post on Instagram
مزج زياد الرحباني بين الجاز الغربي والموسيقى العربية. وإلى جانب أعماله المسرحية، أنتج ألبومات موسيقية لافتة مثل أبو علي، شريط غير حدودي، هدوء نسبي، بما إنو وألبوم مونودوز. وتعاون مع فنانين كبار مثل سامي حواط وجوزيف صقر والعديد من المغنين اللبنانيين والعرب، وقدمّهم بطريقة جريئة ومختلفة، وهذا ينطبق إلى حدٍّ كبير على تعاونه مع المغنية ونجمة الاستعراضات اللبنانية في التسعينيات المعروفة بـالليدي مادونا في أغنية كيفك، وكذلك أيضًا مع الفنّانة لطيفة التونسية في ألبومها معلومات أكيدة في 2006.
View this post on Instagram
لم تقتصر مساهماته على التلحين، بل شملت توزيع أعمال مثل الأغنية الملحمية أحمد الزعتر لكلام محمود درويش وغناء خالد الهبر عام 1977، بالإضافة إلى توزيع مديح الظل العالي عام 1987، والتي نُفذت أوركستراليًا. عاد إلى المسرح بعد الحرب اللبنانية، حيث قدم مسرحية بخصوص الكرامة والشعب العنيد ومسرحية لولا فسحة الأمل عامي 1993 و1994.
View this post on Instagram
انتهج زياد خطاً مستقلّاً عن مسرح الأخوين رحباني، وكرّس نفسه علامةً فارقة في المسرح اللبناني. لم يكن يكتب نصاً مسرحياً بقدر ما كان يناقش السياسة، المجتمع، الطائفية، والحرب. شخصياته من الشارع، من الحانة، تتكلّم بلهجة ساخرة، وموسيقاه جزء أساسي من السرد، تساهم في إيصال المعنى.
زياد وفيروز: أعمال خالدة في عالم الأغنية العربية
View this post on Instagram
منذ أغنية سألوني الناس تتابعت أعماله مع فيروز. كتب لها أنا عندي حنين، وعندي ثقة فيك، وبعتلك، وضاق خلقي، وسلملي عليه، وكيفك أنت وغيرها من الأغنيات التي خرجت عن المألوف اللحني والنصي. لحّن لها ألبومات كاملة مثل وحدن (1979)، الذي حمل طابعاً عاطفياً، وألبوم معرفتي فيك (1987)، الذي أدخل إيقاعات الجاز إلى عالم فيروز. اعتبر الكثير من النقاد أنّ هذه المرحلة أدخلت فيروز في مناخ موسيقي جديد، إلا أنّ البعض اعترض على إدخال الجاز والبلوز والفانك إلى الطرب العربي، وهذا ما منح زياد فرادته وعزّز دوره في توسيع أفق الأغنية العربية.
النشاط الفكري والسياسي
View this post on Instagram
انشغل زياد بهموم ومشاكل مجتمعه والسياسة إلى جانب الفن، فقد أطلق برامج إذاعية نقدية من إذاعة صوت الشعب في منتصف السبعينيات مثل: بعدنا طيبين، قول الله وتابع لشي تابع شي، والعقل زينة، التي تناولت بشكل مباشر سنوات الحرب الأهلية اللبنانية. وعبّر عن أفكاره السياسية وآراءه من خلال كتابة المقالات أبرزها عاموده الأسبوعي في جريدة الأخبار.
ساسة لبنان ونجوم الفن العربي ينعون زياد الرحباني
View this post on Instagram
غياب زياد الرحباني شكّل صدمة لمحبيه وللشارع اللبناني والعربي، نعاه رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون، قائلاً: “لم يكن زياد الرحباني مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، كان ضميراً حيّاً، وصوتاً متمرّداً على الظلم، ومرآة صادقة للمعذبين والمهمّشين”، معتبراً أنه “كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة”. وكتب رئيس الوزراء، نواف سلام، في منشور عبر منصة إكس: “بغياب زياد الرحباني، يفقد لبنان فناناً مبدعاً استثنائياً، وصوتاً حرّاً ظل وفيّاً لقيم العدالة والكرامة”. ونعى رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري الفنان زياد الرحباني بالآتي: “لبنان من دون “زياد” اللحن حزين.. والكلمات مكسورة الخاطر … والستارة السوداء تُسدل على فصل رحباني إنساني ثقافي فني ووطني لا يموت” .وأضاف الرئيس بري: “أحر التعازي للعظيمة “فيروز” لآل الرحباني وكل اللبنانيين برحيل الفنان المبدع زياد الرحباني الذي جسد لبنان “الحلو” كما أحبه فنظمه قصيدة وعزفه لحناً وأنشده أغنية وداعاً زياد”.
View this post on Instagram
وسارع نجوم لبنان والعالم العربي إلى رثاء زياد الرحباني من ماجدة الرومي وراغب علامة وعاصي الحلاني وجورج وسوف ونانسي عجرم وإليسا ولطيفة وغيرهم الكثير من الممثلين والملحنين والمخرجين. ونجوم سوريا ومصر كتبوا عن خسارة زياد الرحباني ونشروا كلمات الوداع والرثاء. ونعت عائلة الرحباني الفنّان زياد، ابن الفنّانة نهاد وديع حدّاد الشهيرة فيروز، وأعلنت موعد الصلاة لراحة نفسه في كنيسة رقاد السيدة في المحيدثة، بكفيا في لبنان، يوم الإثنين 28 يوليو.