الحرارة وتقدم العمر: كيف تُسرّع درجات الحرارة المرتفعة الشيخوخة البيولوجية

لم تعد الحرارة مجرد عامل مزعج في أيام الصيف الطويلة، بل باتت من التهديدات الخفية لصحة الإنسان، مع تزايد الأدلة العلمية على أن الطقس الحار يسرّع من عملية الشيخوخة البيولوجية ويؤثر على أداء الجسم على مستويات خلوية دقيقة، بل قد تتجاوز آثاره المضرة تلك الناجمة عن التدخين أو استهلاك الكحول.
الشيخوخة أسرع من الساعة: نتائج مقلقة من دراسات عالمية
أظهرت دراسة ألمانية نُشرت في مجلة Environment International أن ارتفاع درجات حرارة الهواء مرتبط بتسارع في عمر الجسم البيولوجي، أي على مستوى الخلايا وليس بالضرورة بعدد السنوات التي يعيشها الإنسان. هذه الظاهرة تُعرف علميًا بـتسارع العمر فوق الجيني. ويُقاس هذا التغيّر باستخدام ما يسمى بـالساعات فوق الجينية، وهي أدوات تحلل العلامات الكيميائية (مثيلة الحمض النووي) التي تتحكم في تشغيل الجينات وتعطيلها. وتوصلت الدراسة إلى أن زيادة درجة مئوية واحدة في متوسط الحرارة السنوي ترتبط بمؤشرات شيخوخة أسرع داخل الخلايا.
حرارة المناخ تُجهد الخلايا وتُضعف قدرتها على التعافي
من جهتها، قدمت دراسة حديثة من جامعة جنوب كاليفورنيا، نُشرت في مجلة Science Advances، أدلة إضافية على هذه الظاهرة، إذ وجدت أن العيش في مناطق تتجاوز حرارتها 32 درجة مئوية يُسرّع عمر الجسم البيولوجي بما يزيد عن سنة في بعض الحالات. وشملت الدراسة أكثر من 3600 شخص تزيد أعمارهم عن 56 عامًا، وقارن الباحثون أعمارهم البيولوجية بدرجات الحرارة في بيئاتهم المحلية. وخلصوا إلى أن الأشخاص المقيمين في مناطق أكثر حرارة يعانون من تلف متسارع في الحمض النووي وإجهاد تأكسدي، وهو ما يضعف كفاءة خلايا الجسم في إصلاح نفسها ويؤدي إلى ظهور مبكر للتجاعيد وفقدان مرونة الجلد.
الجذور الحرة والضرر الصامت
تشير كل من الدراستين إلى أن الإجهاد التأكسدي الناتج عن الحرارة يؤدّي إلى تلف في الحمض النووي، وهو تلف لا يُرى بالعين المجردة لكنه يتراكم بمرور الوقت، فيعطّل الجينات المسؤولة عن ترميم الأنسجة ومكافحة السموم. وتُعرف الجزيئات المسؤولة عن هذا الضرر بـالجذور الحرة، التي تهاجم خلايا الجسم، وتُسهم في الشيخوخة المبكرة، وأحيانًا في الإصابة بأمراض القلب والسرطان.

الرطوبة تفاقم من حجم المشلكة
الدراسة الأميركية أشارت أيضًا إلى أن الرطوبة المرتفعة تُفاقم التأثيرات البيولوجية للحرارة، ما يُضعف الجسم أكثر، ويجعله عرضة لمزيد من التآكل الخلوي. وعلى الرغم من خطورة النتائج، قدم الباحثون توصيات للحد من تأثير الحرارة على الشيخوخة، من أبرزها: زيادة المساحات الخضراء في المدن وزراعة الأشجار وتصميم البنى التحتية بمراعاة التهوية والمرونة الحرارية. فمن دون تبني مثل هذه التدابير، قد يُصبح ارتفاع درجات الحرارة أحد أكبر محفزات الشيخوخة الجماعية في العقود المقبلة.

تحذير من المستقبل
تتزامن هذه التحذيرات العلمية مع بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بأن هناك احتمال كبير أن يكون عام 2025 هو ثاني أكثر الأعوام حرارةً على الإطلاق، بعد عام 2024. وتشير التوقعات إلى أن درجات الحرارة العالمية ستستمر في الارتفاع، وقد يكون عام 2025 هو العام الذي يشهد تجاوزًا لـ 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو ما يعزز من القلق حول أثر التغيّر المناخي على الصحة العامة.