لاندو نوريس يعتلي عرش الفورمولا 1… نهاية حقبة وبداية أسطورة

في ختام موسم 2025 الأسطوري، لم يكن مضمار حلبة مرسى ياس مجرد مسار لسباق الجائزة الكبرى لأبوظبي، بل كان مسرحاً لنهاية ملحمية لصراع الأبطال وتتويج مستحق. البريطاني لاندو نوريس، سائق مكلارين، لم يكتفِ بحصد لقب بطولة العالم للفورمولا 1 للمرة الأولى في مسيرته، بل خطّ فصلاً جديداً في تاريخ الرياضة بعد رحلة وصفها كثيرون بأنها وعرة ومليئة بالمنعطفات والتقلبات.
مسيرة الشاب الصاعد: من الكارتينغ إلى قمة الفورمولا 1
لاندو نوريس، المولود في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، لم يكن غريباً عن الأضواء منذ نعومة أظفاره. موهبته الفطرية كانت واضحة للعيان حتى قبل أن يبلغ العاشرة. كان واضحاً أن الفتى يملك شيئاً مميزاً، حينها لاحظته لأول مرة، هكذا يتذكر روب دودز، مدرب المواهب الذي اكتشف نوريس طفلاً يتسابق على عربات الكارتينغ في مضمار كلاي بيغون. دودز أشار إلى أن نوريس كان يشارك في البطولات الوطنية منذ الثامنة، في حين ينتظر معظم الأطفال حتى سن العاشرة أو الحادية عشرة. بعد سنوات من التفوق في فئات الناشئين، دخل نوريس عالم الفورمولا 1 في عام 2019 كشاب واعد. لم يكن دخوله مجرد مشاركة، بل كان إيذاناً بقدوم نجم جديد. فبعد حلوله ثانياً في بطولة الفورمولا 2 عام 2018 خلف مواطنه جورج راسل، بدأ نوريس يشق طريقه بثبات في الفورمولا 1، وكاد في موسمه الأول أن يدخل قائمة العشرة الأوائل. لكن الموسم الماضي كان نقطة تحول، حيث نازع الهولندي ماكس فيرستابن بقوة على اللقب، مساهماً بشكل حاسم في فوز مكلارين بلقب الصانعين للمرة الأولى منذ عام 1998، وملمحاً إلى ما كان يخبئه المستقبل.
صراع العمالقة: نوريس، بياستري، وفيرستابن… معركة الأجيال
لم يكن تتويج نوريس مجرد قصة موهبة فردية، بل كان تتويجاً لملحمة كبرى شهدت منافسة ثلاثية شرسة هي الأقوى منذ سنوات. الموسم الطويل، الذي امتد لـ24 سباقاً، شهد تقلبات دراماتيكية بين نوريس وزميله الأسترالي أوسكار بياستري، وعودة مذهلة من بطل العالم أربع مرات، ماكس فيرستابن.

المنافسة الداخلية النارية
منذ البداية، كانت العلاقة بين نوريس وبياستري محط أنظار الجميع. كانت قواعد البابايا المتجددة في مكلارين تسمح بسائقيها بالمنافسة بحرية، وهو ما أفرز صراعاً لم يشهده تاريخ الرياضة بين زميلين. في وقت مبكر من الموسم، بدا بياستري وكأنه في طريقه لحسم اللقب بتحقيقه ثلاثة انتصارات متتالية في البحرين وجدة وميامي، وهي فترة وصفها نوريس بـالمؤلمة. وبخلاف بياستري الهادئ، كان نوريس يُظهر مشاعره بوضوح، موّجهاً انتقادات علنية لنفسه على أقل خطأ، ساعياً لبلوغ المثالية. لكن بعد سباق موناكو، تغيرت الديناميكية؛ نوريس أصبح أكثر هدوءاً ونقداً لذاته، محققاً فوزه الأول في الإمارة. وصل التوتر ذروته في سباق سنغافورة، حيث اشتعلت العلاقة بين الثنائي بحدوث تصادم على المضمار، ما دفع بياستري للاحتجاج: “إذن… هل من الطبيعي أن يزاحمني لاندو بهذه الطريقة؟”.
عودة فيرستابن الدرامية
بينما كان الصراع الداخلي يحتدم، عاد ماكس فيرستابن بقوة مدهشة بعد أن كان متأخراً بأكثر من 100 نقطة في منتصف الموسم. فوزه بجائزة قطر أعاد إحياء آماله في اللقب، وحول المنافسة إلى سباق ثلاثي حتى الجولة الأخيرة. إلا أن رحلة نوريس إلى اللقب كانت مليئة باللحظات التي كان يمكن أن تنهي حلمه:
خروج كندا المؤلم: حادث تصادم مع بياستري، لكنه تجاوز ذلك بتحقيق انتصارات متتالية في النمسا وسيلفرستون والمجر.
عطل زاندفورت: تعرض لعطل أبقاه متأخراً عن بياستري بفارق 34 نقطة، مهدداً طموحاته.
خطأ بياستري في باكو: حادث للأسترالي في اللفة الافتتاحية بسبب “خطأ سخيف” بدأت بعده هالة عدم الهزيمة تتلاشى عن بياستري.
المكسيك والبرازيل: استعاد نوريس زمام المبادرة في صراع اللقب بفارق نقطة واحدة للمرة الأولى منذ أبريل، تبعها بأداء مثالي في البرازيل، حيث انطلق من المركز الأول وفاز بسباق السرعة والسباق الرئيسي.
لاس فيغاس: الخروج المزدوج الدراماتيكي لسائقي مكلارين فتح الباب أمام فيرستابن، وأجل الحسم إلى الجولة الختامية.
في أبوظبي، كان نوريس يحتاج إلى الحلول بين الثلاثة الأوائل لضمان اللقب، وهو ما فعله بحلوله ثالثاً خلف زميله بياستري والفائز بالسباق فيرستابن. حسم اللقب بفارق نقطتين فقط عن فيرستابن، و13 نقطة عن بياستري، في نهاية هيتشكوكية لموسم لا يُنسى.
عودة الأمجاد: مكلارين يتوج بطلاً للعالم
هذا الإنجاز لم يكن لنوريس وحده، بل كان أيضاً تتويجاً لعودة فريق مكلارين الأسطوري. بعد فترة طويلة من الإحباط منذ آخر لقب سائقين مع لويس هاميلتون في 2008، وبعد انتظار دام لعقود منذ تتويج أساطير مثل أيرتون سينا وميكا هايكينن، عادت الأمجاد إلى الفريق البريطاني المدعوم من البحرين. فبعد الفوز بلقب الصانعين لعامين متتاليين، تمكن نوريس من إحراز لقب السائقين، وهو اللقب الثالث عشر في تاريخ الفريق، والأول لبريطانيا منذ هاميلتون في 2020. وبهذا، حقق مكلارين ثنائية الصانعين والسائقين للمرة الأولى منذ 1998، مؤكداً عودته القوية كقوة لا يستهان بها في عالم الفورمولا 1.
لاندو نوريس: أيقونة الجيل الجديد ومصدر إلهامه
إلى جانب موهبته الفائقة، ساهمت شخصية نوريس المحبوبة في زيادة شعبيته بشكل لافت، خاصة مع الطفرة الجماهيرية التي أحدثتها بطولة الفورمولا 1 منذ استحواذ “ليبرتي ميديا” في 2017، ومع النجاح الكبير لمسلسل درايف تو سيرفايف على نتفليكس. يستمد نوريس إلهامه من أسطورة رياضة الدراجات النارية الإيطالي فالنتينو روسي، بطل الموتو جي بي سبع مرات. يقول نوريس: “كانت الموتو جي بي شغفي الأول قبل الفورمولا 1. كان فالنتينو روسي دائماً قدوتي، إنه الأفضل، وقد ألهمني دائماً”. هذا البريق الخاص، الذي لاحظه مدربه الأول روب دودز على حلبة الكارتينغ قبل سنوات، أصبح اليوم يسطع بقوة، مؤكداً أن نوريس ليس مجرد سائق سريع، بل هو بطل يمتلك كاريزما النجوم.
نهاية حقبة وبداية جديدة
بدموع الفرح، حقق لاندو نوريس حلم طفل صغير وأنهى هيمنة ماكس فيرستابن التي استمرت أربعة أعوام. هذا التتويج لا يمثل مجرد انتصار شخصي لنوريس أو لفريق مكلارين، بل هو إعلان عن نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة في رياضة الفورمولا 1، حيث المنافسة أكثر شراسة، والأبطال الجدد على موعد مع التاريخ.
نتائج بطولة العالم للفورمولا 1 بعد نهاية جائزة أبوظبي الكبرى 2025:
ترتيب السائقين:
لاندو نوريس (بريطانيا) 423 نقطة
ماكس فيرستابن (هولندا) 421 نقطة
أوسكار بياستري (أستراليا) 410 نقطة
جورج راسل (بريطانيا) 319 نقطة
شارل لوكلير (موناكو) 242 نقطة
لويس هاميلتون (بريطانيا) 156 نقطة
أندريا كيمي أنتونيلي (إيطاليا) 150 نقطة
ألكسندر ألبون (تايلاند) 73 نقطة
كارلوس ساينس (إسبانيا) 64 نقطة
فرناندو ألونسو (إسبانيا) 56 نقطة
إسحاق حجار (فرنسا) 51 نقطة
نيكو هولكنبرغ (ألمانيا) 49 نقطة
أوليفر بيرمان (بريطانيا) 42 نقطة
ليام لاوسون (نيوزيلندا) 38 نقطة
استيبان أوكون (فرنسا) 38 نقطة
لانس سترول (كندا) 34 نقطة
يوكي تسونودا (اليابان) 33 نقطة
بيار غاسلي (فرنسا) 22 نقطة
غابريال بورتوليتو (البرازيل) 19 نقطة
ترتيب الصانعين:
ماكلارين 833 نقطة
مرسيدس 469 نقطة
ريد بُل 451 نقطة
فيراري 398 نقطة
وليامس 137 نقطة
آر بي 92 نقطة
أستون مارتن 90 نقطة
هاس 80 نقطة
ساوبر 68 نقطة
ألبين 22 نقطة













