مهرجان كان ٢٠٢٤: عودة نبيل عيّوش من خلال فيلمه “الجميع يحب تودا”
يعود المخرج المغربي نبيل عيّوش الى مهرجان «كان» هذا العام، للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان في فئة
Cannes Première” ”، المخصّصة للأسماء الكبيرة في عالم السينما العالمية .وكان عيوش 55 عامًا، قد ترشّح سابقًا للمنافسة على السعفة الذهبية في عام 2021 عن فيلم علّي صوتك.
نبيل عيّوش هو مخرج ومنتج وكاتب سينمائي فرنسي- مغربي، هو عضو في أكاديمية الصور المتحركة، وأكاديمية السيزار، وأكاديمية السينما العربية. ولد في باريس في عام 1969 من والد مغربي وأم تونسية، وقضى جل طفولته ببلدة سارسيل القريبة من باريس. بعد ثلاث سنوات من دراسة الفن المسرحي (1987-1990)، بدأ مشواره ككاتب سيناريو ومخرج، فأخرج العديد من الأفلام الدعائية والأفلام القصيرة الحائزة جوائز، قبل إخراج فيلمه الروائي الطويل الأول «مكتوب» الحاصل على أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي، بينما فاز فيلمه «علي زاوا» بأكثر من أربعين جائزة في العديد من المهرجانات.
والجدير ذكره أن عيوش متزوّج من المخرجة مريم التوزاني التي تمّ ترشيحها كذلك لتمثيل المغرب في مهرجان «كان» عام 2019 عن فيلم «آدم»، وفي سنة 2022 عن فيلم «أزرق قفطان».
«الجميع يحبّ تودا» يكسر الصورة النمطية «للشيخات»
مع الإعلان عن وصول أحدث أفلامه «الجميع يحبّ تودا» الى المنافسة في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان»، عبّر المخرج نبيل عيوش عن سعادته، وأكد أن اختياره تناول شخصية «الشيخة»، التي ما فتئت تثير الجدل في المغرب، في دور الشابة «تودا»، الذي تلعبه الممثلة نسرين الراضي، يرسّخ سعيه للقطيعة مع الصورة النمطية لهذه الفئة من المغربيات، اللواتي قدّمن الكثير في عهد الحماية، وغنّين فن «العيطة»، كتعبير عن صوت القبيلة الثائرة في وجه الاستعمار.
وأوضح عيوش قائلاً: «الشيخات تراث يجب أن نفتخر به، لكن نظرتنا له، وللأسف، تغيّرت منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث أصبحنا نراهنّ بشكل سطحي وبمنظور أخلاقي، بينما الحقيقة أنهنّ حاملات لشعلة نضال وفن وتقاليد القرن 19، وبعيدات عن كل هذه التصنيفات التي تمّ ربطهنّ بها».
وينافس فيلم «الجميع يحبّ تودا» في فئة «Cannes Première»، المخصّصة للأسماء الكبيرة في السينما. ويتناول الفيلم قصة مغنية شابة تحلم بأن تصبح «شيخة»، وتتحدّى المجتمع الذكوري لأجل ممارسة الفن الذي تحبه، أي الغناء، من خلال تقديم عروض مسائية في حانات بلدتها الريفية الصغيرة، حيث ستتعرّض للإذلال وسوء المعاملة، ثم تتّجه إلى الدار البيضاء آملة في الحصول على مستقبل أفضل لها ولابنها المعوّق (أبكم وأخرس).
الجدير بالذكر أن الشريط الطويل «الجميع يحب تودا» من إنتاج شركة «عليان» لنبيل عيوش بشراكة مع شركات إنتاج من فرنسا وبلجيكا والدانمارك وهولندا والنرويج، وسيتم عرضه في القاعات السينمائية المغربية بعد جولة دولية في المهرجانات الكبرى.
«علّي صوتك» التجربة الأولى في «كان»
سبق لنبيل عيوش أن وصل الى ترشيحات «كان» في عام 2021 عن فيلمه «علّي صوتك» الذي يستعرض حياة الشباب المغربي المهووس بالهيب هوب، من خلال مجموعة مراهقين في حي سيدي مومن الفقير في الدار البيضاء.
شكّل هذا الحي مصدر إلهام للمخرج الذي يحمل الجنسية الفرنسية، في أعمال سابقة، إذ صوّر فيه مشاهد من فيلمه «علي زاوا» عام 1999 عن قصة أطفال مشرّدين.
كما عاد ليصوّر فيه مشاهد من فيلم «يا خيل الله» (2012) المستوحى من رواية للكاتب ماحي بينبين، حول تطرف الانتحاريين الاثني عشر الذين نفّذوا تفجيرات دامية في الدار البيضاء عام 2003، وخرجوا بمعظمهم من ذلك الحيّ.
في العام 2014 أسس نبيل عيوش في حي سيدي مومن مركزاً ثقافياً باسم «النجوم»، يقدّم ورشًا لتعلم الموسيقى والرقص للشباب، وقد استقطب من بين رواده معظم ممثلي فيلم «علّي صوتك» . في هذا المركز اختمرت فكرة الفيلم حين كان المخرج يتابع عروض الشباب والشابات.
ويقول في حديث مع «فرانس برس»: «أمر مدهش رؤية أولئك الشباب وهم يرقصون أو يتلون نصوصاً فنية… أردت أن يسمع العالم بأسره ما يودّون قوله».
وأثمر العمل على هذا الفيلم لأكثر من عامين، إطلاق شركة إنتاج متخصّصة في موسيقي الهيب هوب اسمها «نيو ديستريكت» أواخر العام 2020. ويلعب مديرها الفني أنس بسبوس، وهو مغني راب سابق، دوراً في فيلم «علّي صوتك».
يقول عيوش إنه حقّق أحد أحلام الطفولة، باختيار فيلمه «علّي صوتك» لأول مرة ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي.
وبذلك بات ثاني مخرج سينمائي مغربي يشارك في مسابقة المهرجان الرسمية، بعد مواطنه عبد العزيز رمضاني عن فيلم «إيقاعات وأرواح» العام 1962.
«علي زاوا» أكثر من فيلم، قضية
كان عيوش قد قام بمبادرة إعادة تقديم شريطه الشهير «علي زاوا»، في الصالات السينمائية المغربية، بعد مرور اكثر من عشرين عامًا على عرضه الأول، وصرّح بأن ذلك جاء رغبة منه في إعادة تسليط الضوء على معاناة أطفال الشوارع، الموضوع الذي تطرق له في شريطه السينمائي قبل عقدين لكن «الوضعية لم تتغيّر»، على حد قوله.
وأكّد نبيل عيوش، أنه بالرغم من غزارة إنتاجاته السينمائية، إلاّ أن فيلم «علي زاوا»، الذي عرض لأول مرة سنة 2000، له وقع خاص على نفسه وقريب أكثر من قلبه، مشيرًا إلى أن موضوعه كان ومازال محط اهتمامه. وقد تمّ التبرع بجميع عائدات العرض للممثلين الرئيسيين في الفيلم، ولجمعية «بيتي» التي تعمل على إدماج الأطفال في وضعية صعبة وأطفال الشوارع.
مسيرة مفعمة بالنجاحات
بدأ عيوش حياته المهنية ككاتب سيناريو ومخرج لدى وكالة الإعلانات Euro-RSCG. في عام 1992، أخرج فيلم Les Pierres bleues du Désert، وهو أول فيلم قصير مع جمال دبوز يحكي تاريخ شاب مقتنع بوجود حجارة زرقاء كبيرة في الصحراء. في عام 1993، استقر عيوش في الدار البيضاء، حيث أخرج فيلمين قصيرين، Hertzienne Connexion (1993) وVendeur de Silence (1994)، والذي حصل على اعتراف دولي به.
وفي عام 1997، أخرج عيوش فيلمه الطويل الأول «مكتوب» الذي مثّل المغرب في حفل توزيع جوائز الأوسكار. كما قام بإخراج الأفلام الطويلة Une Minute de Soleil en moins (2003) وWhat Lola Wants (2008)، من إنتاج Pathé.
في عام 1999، أنشأ عيوش شركة إنتاج تدعى Ali n’Productions، لمساعدة المخرجين الشباب الطموحين في تأسيس حياتهم المهنية. حصل على الجائزة المسكونية عام 2000 في مهرجان مونتريال السينمائي العالمي عن فيلمه علي زاوا: أمير الشوارع.
فيلم عيوش «خيول الله» لعام 2012 مقتبس من رواية «نجوم سيدي مومن» للكاتب ماهي بنبين. في كتابه «خيول الله»، يستكشف عيوش الّتطرف الذي يمكن أن يحدث بسبب الفقر والذكورة المتطرّفة، في إشارة إلى تفجيرات الدار البيضاء عام 2003. وقد شارك هذا الفيلم في قسم «نظرة ما» في مهرجان «كان» السينمائي 2012.