خيار البحر علاج مستقبلي واعد في معركة العالم ضد السرطان

في وقت لا يزال فيه السرطان أحد أكبر التحدّيات الطبية في العالم، حيث يُسجَّل ملايين الإصابات سنويًا وتستمر المعركة لإيجاد علاجات فعّالة وآمنة، جاء خبر جديد من قاع المحيط ليبعث الأمل، كائن بحري بسيط يُدعى خيار البحر قد يحمل سرًّا بيولوجيًا يساعد على إبطاء انتشار السرطان.
السرطان المرض الذي لا يزال يطارد العالم
تُظهر إحصاءات منظمة الصحة العالمية أن السرطان مسؤول عن قرابة 10 ملايين حالة وفاة سنويًا، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل نمط الحياة العصري، والتلوّث، والعوامل الوراثية المعقّدة. ويُشكّل البحث عن علاجات جديدة وأكثر أمانًا أولوية عالمية، وخاصةً تلك التي يمكنها استهداف الخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة أو التسبّب في آثار جانبية خطيرة.
خيار البحر حارس المحيطات وكنز طبي غير متوقّع
يُعتبر خيار البحر كائناً بحريًا لا فقاريًا، يعيش في قاع البحر، ويقوم بدور حيوي في تنقية البيئة البحرية من خلال إعادة تدوير المواد العضوية. إلى جانب أهميته البيئية، يُعدّ أيضًا طعامًا شهيًا في بعض الثقافات، خصوصًا في دول حوض المحيط الهادئ. لكن الجديد اليوم هو ما كشفت عنه دراسة أميركية، بأن خيار البحر قد يحمل خصائص طبية فعّالة في إيقاف نمو السرطان.
دراسة أميركية تكشف المستور
أجرى فريق بحثي من جامعتي ميسيسيبي وجورجتاون دراسة علمية معمقة نُشرت في مجلة Glycobiology، وغطّتها منصة EurekAlert، أظهرت أن مركبًا سكّريًا يُستخرج من خيار البحر يُدعى Fucosylated Chondroitin Sulfate يمكنه تعطيل إنزيم يُعرف بـسلف-2 (Sulf-2) ، وهو إنزيم يغيّر بنية الجليكانات التي تُغطي الخلايا ويساعد على انتشار السرطان.
أهمية هذا الاكتشاف
الجليكانات، وهي هياكل سكرية تشبه الشعيرات على سطح الخلايا، تلعب دورًا في التواصل بين الخلايا، والاستجابة المناعية، والتعرّف إلى التهديدات. في الخلايا السرطانية، يحصل تشويه لهذه البُنى بفعل إنزيمات مثل سلف-2، ما يسهم في تسريع نمو الورم وانتشاره. منع هذا الإنزيم من العمل، حسب ما يقول العلماء، يُعدّ خطوة محورية في وقف المرض، وخيار البحر وفّر أداة طبيعية فريدة لتحقيق ذلك.

نتائج متسقة وتفاؤل علمي
بفضل اختبارات مخبرية ونمذجة حاسوبية دقيقة، أثبت الباحثون أن مركّب خيار البحر يُثبّط الإنزيم المستهدف بفعالية، وكانت النتائج متطابقة بين التجارب والمحاكاة. وقال د. روبرت دوركسن، أستاذ الكيمياء الطبية بجامعة ميسيسيبي: “نحن نثق في نتائجنا لأنها اتّسقت تمامًا مع توقعاتنا النظرية، وهذا نادر ومُبشّر.”
ميزة إضافية في الاكتشاف العلمي الجديد
بعكس بعض الأدوية التجريبية الأخرى التي تؤثر على سلف-2، لم يُظهر مركّب خيار البحر أي تأثير على تخثّر الدم، وهو أمر بالغ الأهمية، إذ إن تثبيط التخثّر قد يؤدّي إلى نزيف مميت. البروفيسور جوشوا شارب من جامعة ميشيغان علّق على ذلك بقوله:”هذا النوع من المركّبات لا يؤثّر على تجلّط الدم، وهذه ميزة كبيرة تجعله مرشّحًا آمنًا للعلاج.”
الخطوة التالية: التصنيع المعملي
على الرغم من النتائج المبشّرة، فإن الحصول على كميات كافية من مركّب خيار البحر بشكل طبيعي يظلّ غير عملي. لذا، يعمل الفريق الآن على تطوير نسخة صناعية قابلة للإنتاج المعملي، بهدف اختبارها لاحقًا في تجارب سريرية.
من قاع المحيط إلى أمل جديد في الطب
يعكس هذا البحث كيف يمكن أن تُنتج الطبيعة حتى في أبعد أعماق المحيط، حلولًا مبتكرة للأمراض الأكثر تعقيدًا. خيار البحر، الكائن الهادئ الذي يُنظّف البيئة البحرية، قد يتحوّل قريبًا إلى عنصر أساسي في علاج السرطان، إذا أثبتت الأبحاث الإضافية فعاليته وسلامته على البشر.