وداعًا ليونارد لودر… رائد الجمال ورمز الإنسانية

في لحظة حزينة، تودّع صناعة الجمال العالمية أحد أبرز أعمدتها، حيث أعلنت شركة إيستي لودر Estée Lauder عن وفاة رئيسها الفخري ليونارد أ. لودر في الرابع عشر من يونيو 2025، عن عمر يناهز 92 عامًا، محاطًا بأسرته. بهذا الرحيل، تفقد الشركة والعالم رجلاً شكّل معالم صناعة الجمال، وترك بصمة لا تُمحى في مجالات العمل الخيري والفن والتعليم والصحة.
من نيويورك إلى العالمية: قصة نجاح بدأت من العائلة
View this post on Instagram
ولد ليونارد عام 1933 في نيويورك، وكان الابن البكر لمؤسسي الشركة، إستيه وجوزيف لودر. التحق بمدرسة برونكس للعلوم، ثم تابع دراسته في وارتون سكول بجامعة بنسلفانيا، ودرس لاحقًا في كلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا. خدم كضابط في البحرية الأميركية، وتم تكريمه لاحقًا بجائزة الخريج المميز من المؤسسة البحرية. انضم رسميًا إلى شركة العائلة عام 1958، ومنذ ذلك الحين بدأ مسيرة مهنية استمرت أكثر من ستة عقود، ساهم خلالها بتحويل الشركة من علامة تجارية واحدة إلى إمبراطورية متعدّدة العلامات تنتشر في أكثر من 150 دولة.
مهندس النهضة الجمالية
View this post on Instagram
شغل لودر منصب رئيس الشركة من 1972 حتى 1995، والرئيس التنفيذي حتى 1999، ثم تولى رئاسة مجلس الإدارة حتى 2009. لم يكن فقط مسؤولًا إداريًا، بل كان عقلًا مبدعًا وابتكارياً، أطلق علامات شهيرة مثل Aramis وClinique وLab Series، وكان وراء استحواذات استراتيجية شملت أسماء مثل M∙A∙C، Bobbi Brown، La Mer، وJo Malone. أسّس أول مختبر أبحاث وتطوير تابع للشركة، وحرص على إدخال الإدارة المهنية إلى كل مستوياتها، مؤمنًا بأنّ الابتكار والانفتاح العالمي هما مفتاح النجاح.
القلب النابض بالشغف والعطاء
View this post on Instagram
لم يقتصر تأثير لودر على الأرقام والأسواق فحسب، إذ وصفه ابنه وليام، الرئيس الحالي لمجلس إدارة الشركة، بأنه رجل مارس اللطف مع الجميع، وكان أكثر الرجال عطاءً ممن عرفهم. عرف بحرصه على الموظفين، وكان يعتبرهم بمثابة عائلته الممتدة. خلال جائحة كورونا، أنشأ صندوق دعم موظفي ELC Cares ليوفّر لهم الرعاية النفسية والجسدية. حتى وفاته، بقي لودر يزور المقر الرئيسي، ويشارك في الحياة اليومية للشركة، مستمرًا في دوره غير الرسمي كـالمدير التعليمي الأعلى، مؤمنًا بأن ثروة الشركة الحقيقية تكمن في أفرادها.
داعم الفن والمعرفة… وحارس الإنسانية
View this post on Instagram
بعيدًا عن الجمال، كان لودر من كبار الداعمين للفن. قدّم في 2013 مجموعة فنية من 78 عملًا إلى متحف المتروبوليتان، في أكبر تبرع فردي بتاريخ المتحف، وأسّس مركزًا بحثيًا للفن الحديث باسمه. وفي مجال التعليم، تبرع بـ125 مليون دولار لجامعة بنسلفانيا لإنشاء برنامج مجاني لإعداد ممرضي الرعاية المجتمعية، استجابةً للنقص الحاد خلال الجائحة. أمّا في الصحة، فقد شارك بتأسيس مؤسسة اكتشاف أدوية الزهايمر، وكان الرئيس الفخري لمؤسسة أبحاث سرطان الثدي التي أسستها زوجته الأولى، الراحلة إيفلين لودر.
شهادات من نجوم ومؤثرين
View this post on Instagram
بعد إعلان وفاته، تدفقت عبارات الحزن والتكريم من شخصيات عالمية، منهم الممثلة إليزابيث هيرلي، التي وصفته بوالدها الأميركي، مشيرةً إلى دعمه الدائم منذ انضمامها للشركة عام 1995. كما كتبت العارضة كارلي كلوس: “لقد كان قائدًا ملهمًا ورجلًا استثنائيًا… علمني معنى الجمال الحقيقي، والقيادة بالخدمة والعطاء”. أما خبيرة التجميل الشهيرة بوبي براون، فقالت: “تعلمت كل شيء عن بناء العلامات التجارية من ليونارد. كان يؤمن بي وشجعني دائمًا على التعبير عن ذاتي بحرية”.
إرث خالد ووصايا باقية

منذ انطلاقة الشركة عام 1946، حمل ليونارد لودر شعلة الجمال، ولكنه ترك إرثًا أوسع من منتجات العناية بالبشرة والعطور. وجسّد رؤية إنسانية شاملة، تجمع بين النجاح التجاري والواجب الاجتماعي، وربط بين الجمال الداخلي والخارجي، وبين الذوق الرفيع والضمير الحي. يُذكر أنّ لودر كان متزوجًا من إيفلين لودر حتى وفاتها عام 2011، وتزوج لاحقًا من المصورة العالمية والناشطة جودي غليكمان. وهو أب لولدين، وليام وغاري، وله أحفاد وأبناء أحفاد، وعائلة ممتدة من المحبين والزملاء.
الوداع الأخير

أقيمت مراسم وداع خاصة للراحل وسط عائلته وأحبائه. ودَعَت الشركة الجمهور للمشاركة في تخليد ذكراه عبر تقديم التبرعات لمؤسسات دعم أبحاث سرطان الثدي والزهايمر، تلك القضايا التي كرّس لها حياته. برحيل ليونارد لودر، لا تفقد صناعة التجميل فقط أحد روادها، بل يخسر العالم شخصية جمعت بين الحكمة واللطف، وبين الرؤية والرحمة. لقد غادرنا جسدًا، لكنه سيبقى مرشدًا وأيقونة في ذاكرة كل من آمن بأن الجمال ليس منتجًا بل رسالة.