لوكا مودريتش: ختام مسيرة ملكية في حكاية أسطورة لا تُنسى

في مشهد مؤثر، أسدل النجم الكرواتي لوكا مودريتش الستار على مسيرة استثنائية مع نادي ريال مدريد، امتدت لثلاثة عشر عامًا، خُلد خلالها اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ القلعة البيضاء. كانت آخر فصول هذه الحكاية الملكية في نصف نهائي كأس العالم للأندية 2025، حيث خاض مودريتش مباراته الأخيرة بقميص ريال مدريد ضد باريس سان جيرمان. وعلى الرغم من الخسارة القاسية بنتيجة 4-0، إلا أن الدقيقة 64 شهدت لحظة تاريخية، حينما دخل الساحر الكرواتي أرض الملعب ليحظى بوداع حار ومؤثر من الجماهير وزملائه، في مشهد يعكس مكانته الأسطورية في قلوب المدريديستا.
مودريتش: سأظل مشجعًا للنادي إلى الأبد
وببلوغه الأربعين عامًا، ودّع مودريتش ناديه برسالة مؤثرة، قال فيها: “لقد عشت هنا أكثر مما حلمت به يومًا… حملت هذا القميص بقلب كامل، وسأظل مشجعًا للنادي إلى الأبد”. لم يكن وداعًا عاديًا، بل كان احتفالًا بمسيرة حافلة بالإنجازات، توّجت بحفل تكريم خاص في ملعب سانتياغو برنابيو، وسط تصفيق حار من الجماهير واحتفاء من اللاعبين والنادي. كما كانت لحظة مؤثرة جمعته بمدربه الحالي في ريال مدريد وزميله السابق، تشابي ألونسو، الذي وصفه بـالأسطورة، مؤكدًا على الإرث الذي تركه مودريتش.
من رماد الحرب إلى قمة المجد: حكاية صمود وإلهام
وُلد لوكا مودريتش عام 1985 في زادار بكرواتيا، في ظل ظروف قاسية فرضتها حرب البلقان. لكن هذه الظروف لم تكن سوى وقودًا لشغفه بكرة القدم. بدأ مشواره الكروي في دينامو زغرب، حيث صقل موهبته الفريدة، قبل أن ينتقل إلى الدوري الإنجليزي الممتاز عبر بوابة توتنهام هوتسبير. هناك، لفت الأنظار بأدائه الأنيق، رؤيته الثاقبة، وتمريراته الساحرة التي مهدت له الطريق نحو النجومية.

المجد الملكي: أسطورة خط الوسط في ريال مدريد
في صيف 2012، حط مودريتش الرحال في ريال مدريد، في صفقة قوبلت ببعض الشكوك في البداية. لكنه سرعان ما أسكت جميع المشككين، ليثبت أنه أحد أفضل لاعبي خط الوسط في جيله، إن لم يكن الأفضل على الإطلاق. على مدار أكثر من 500 مباراة بقميص ريال مدريد، عُرف مودريتش بتمريراته الدقيقة، قدرته الفائقة على التحكم بإيقاع اللعب تحت أي ضغط، ورؤيته الفريدة التي كانت تفتح المساحات وتصنع الفرص. يعتبره الكثيرون أفضل لاعب وسط في تاريخ ريال مدريد، فقد مثّل جيلًا كاملًا من اللاعبين الذين جمعوا بين الأناقة والصلابة، وألهم الملايين حول العالم بقصته التي بدأت من الدمار وانتهت في قمة المجد الكروي.
حصاد الألقاب: إرث لا يمحى
خلال مسيرته الأسطورية مع النادي الملكي، حصد لوكا مودريتش 27 لقبًا، ليصبح أحد أكثر اللاعبين تتويجًا في تاريخ النادي. من أبرز هذه الألقاب: 4 بطولات إسبانية (ألقاب الدوري الإسباني)
2 كأس إسبانيا (كأس الملك)
5 كأس سوبر إسباني
6 ألقاب دوري أبطال أوروبا
5 كأس سوبر أوروبي
5 كأس العالم للأندية لكرة القدم

لوكا مودريتش والتتويج بالكرة الذهبية
في عام 2018، توّج لوكا مودريتش بالكرة الذهبية، كأول لاعب يكسر هيمنة ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو التي استمرت لعقد من الزمان. جاء هذا التتويج بعد قيادته التاريخية لمنتخب كرواتيا إلى نهائي كأس العالم في روسيا، في إنجاز غير مسبوق للكرة الكرواتية. وعلى الصعيد الدولي، شارك مودريتش في أربع نسخ متتالية من كأس العالم أعوام 2010، 2014، 2018، و2022. ولطالما اعتُبر القائد الروحي للجيل الذهبي الكرواتي، الذي أعاد رسم خريطة كرة القدم العالمية لبلاده.
فصل جديد: الانتقال إلى ميلان
بعد وداعه المؤثر لريال مدريد، أكد مدرب ميلان، ماسيميليانو أليغري، انضمام لوكا مودريتش إلى الفريق الإيطالي في أغسطس بعقد لمدة موسم واحد حتى يونيو 2026. يأتي هذا الانتقال في إطار سعي ميلان لتعزيز صفوفه بعد موسم مخيب للآمال، ويُتوقع انضمام مودريتش للفريق بعد انتهاء مشاركته في كأس العالم للأندية. هذا الانتقال يمثل تحديًا جديدًا للساحر الكرواتي، وفرصة لإضافة فصل آخر إلى مسيرته الأسطورية.
مسيرة متميزة وحافلة بالإنجازات
رحيل مودريتش عن ريال مدريد ليس نهاية القصة، بل هو ختام أسطوري لمسيرة نادرة. سواء قرر الاعتزال النهائي بعد تجربته مع ميلان، أو الانتقال لتجربة أخيرة في دوري جديد، سيبقى اسم لوكا مودريتش محفورًا في تاريخ كرة القدم. إنه النجم الذي صنع المجد بهدوء، ولعب للقلوب قبل العيون، تاركًا إرثًا من الإلهام والبطولات سيظل يُروى لأجيال قادمة.