سام ألتمان: التقنية الثورية لقراءة الأفكار ودمج العقل البشري بالذكاء الاصطناعي

في زمنٍ تتسارع فيه خُطى التكنولوجيا كما تتسارع نبضات المدن الرقمية، يقف سام ألتمان — الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI — على عتبة مغامرة جديدة قد تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة.
فبعد أن غيّر وجه العالم عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، يتّجه اليوم إلى مجال أكثر جرأة وغموضًا: قراءة الأفكار البشرية بواسطة الذكاء الاصطناعي.
من الفكرة إلى المختبر
View this post on Instagram
المشروع الجديد الذي يعمل عليه ألتمان يحمل اسم Merge Labs، وهو شركة ناشئة سرّية تموّلها استثماراته الخاصة.
الفكرة بسيطة في ظاهرها، ثورية في جوهرها: بناء واجهة دماغ–حاسوب (Brain–Computer Interface) غير جراحية، قادرة على قراءة الإشارات العصبية وتحويلها إلى بيانات رقمية يفهمها الذكاء الاصطناعي.
View this post on Instagram
على عكس مشاريع أخرى مثل “Neuralink” لإيلون ماسك، لا يسعى ألتمان إلى زرع رقائق داخل الدماغ، بل إلى تطوير تقنية خارجية آمنة تعتمد على الموجات فوق الصوتية أو المجالات المغناطيسية لقراءة أنماط التفكير دون تدخل جراحي.
هدفه الأساسي: “أن تفهم الآلة ما يدور في عقلك، من دون أن تتدخل فيه”.
قابليّة التطبيق: من الخيال إلى الممكن

تقوم الفكرة على تعديل بعض الخلايا العصبية لتستجيب لمحفّزات صوتية أو مغناطيسية يمكن التقاطها وتحليلها.
بهذه الطريقة، تصبح الأفكار إشارات يمكن قراءتها كأن المخ يتحول إلى لوحة مفاتيح ذهنية.
بمجرد التفكير في حركة أو عبارة، يمكن للذكاء الاصطناعي تفسيرها وتنفيذها على الفور.
وإن نجحت Merge Labs في تطوير هذه التقنية كما يُخطط لها، فسنكون أمام أول خطوة حقيقية نحو التواصل الذهني المباشر بين الإنسان والآلة.
قد يبدو هذا الحلم مستوحًى من أفلام الخيال العلمي، لكنه أقرب إلى التحقق مما نتصور.

في السنوات الأخيرة، نجحت تجارب علمية في تحويل نشاط الدماغ إلى كلمات، ومساعدة مرضى الشلل على تحريك مؤشرات حاسوب بمجرد التفكير.
الفرق أنّ Merge Labs تسعى إلى تحقيق ذلك بشكلٍ غير جراحي، ما يفتح الباب أمام استخدامات طبية وتجارية واسعة.
وهنا تكمن فرادة المشروع: الجمع بين الواقعية التقنية والطموح المستقبلي.
وعود ثورية

في حال نجحت هذه التقنية بالوصول إلى الأسواق، قد تُصبح الكلمات شيئًا من الماضي. يمكننا أن نتخاطب مباشرةً مع الآلة — وربما مع بعضنا البعض — عبر التفكير وحده.
وهنا لا بدّ من التوقف أمام الفرص الهائلة التي ستوفرها هذه التقنية للمرضى الذين فقدوا القدرة على الكلام أو الحركة كما أنها ستساعدنا على فهم مشاعرنا ويتوقع الخبراء أن تشكل نقلة نوعية في مجال العلاجات النفسية خاصةً لمرضى الاكتئاب والتوحد إذ أنها تمكنهم وتمكننا من فهم مشاعرهم.
على الصعيد الإبداعي من المتوقع أن تسرّع هذه التقنية الإنتاجية وتزيد الإبداع إذ تحوّل العقل إلى أداة الإنتاج النهائية: أي فكرة في ذهنك، تتحوّل إلى نموذج جاهز على الشاشة.
الوجه الآخر للثورة

لكن كل ابتكار عظيم يحمل ظلاً من القلق. ومع هذه التقنية تظهر تحديات لا تقل عمقًا عن وعودها أهمها الخصوصية الفكرية، من يملك أفكارنا حين تُقرأ؟ وكيف نضمن ألا تُستخدم بيانات الدماغ لأغراض غير أخلاقية؟ كما تطرح إشكالية إذا أصبحت الآلة تفهمنا أكثر مما نفهم أنفسنا، فهل نظل نحن من يقودها؟ أما من الناحية الطبية، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ تأثير الموجات فوق الصوتية المتكررة على الدماغ لا زال غير مفهوم بالكامل وبالتالي قد تترتب عليه مشاكل صحية.
فلسفة الدمج: الإنسان 2.0

بالنسبة لألتمان، هذا المشروع ليس مجرد قفزة تكنولوجية، بل رؤية فلسفية لما بعد حدود الوعي البشري.
إنه يؤمن بأنّ الذكاء الاصطناعي ليس عدوًا للعقل البشري، بل مرآة له — وأنّ الدمج بينهما هو الطريق إلى المرحلة التالية من التطور الإنساني.
فكما وحّدت الكهرباء العالم في القرن التاسع عشر، والإنترنت في القرن العشرين، فإنّ الدمج العصبي–الرقمي قد يكون إنجاز القرن الحادي والعشرين.
حين يصبح الخيال ممكنًا

قد يبدو المشروع اليوم في بداياته، لكنه يطرح سؤالًا جوهريًا حول مستقبلنا: هل نحن على وشك أن نفكّ شيفرة عقولنا؟
سام ألتمان لا يعدنا بتقنية فحسب، بل بعصر جديد من الإدراك المشترك بين الإنسان والآلة.
وربما، في المستقبل القريب، عندما نفكر بفكرةٍ ما، ستستجيب التقنية قبل أن ننطق لأنّ الخيال أصبح، ببساطة، حقيقة يمكن قراءتها.









