أنس جابر تكشف معاناتها من الاكتئاب والضغوط التي تواجهها نجمات التنس

في تصريح هزّ أروقة عالم التنس، ألقت النجمة التونسية أنس جابر، المصنفة الثانية عالمياً سابقاً، حجراً ثقيلاً في مياه النقاش حول صحة اللاعبات المحترفات. فبعد فترة من الغياب والترقب، كشفت جابر عن معاناتها من الاكتئاب بسبب جدول بطولات اتحاد لاعبات التنس المحترفات (WTA) المزدحم، معلنةً عن قرارها الحاسم بمنح صحتها النفسية والجسدية الأولوية القصوى. هذا الإعلان لا يمثل مجرد قرار شخصي، بل يفتح الباب واسعاً أمام الضغوط التي تواجهها نجمات اللعبة، ومدى استعداد الهيئات المنظمة للاستجابة لهذه الصرخات المتزايدة.
لم أعد وزيرة السعادة: كشف الستار عن معاناة خفية
لطالما عُرفت أنس جابر بابتسامتها الدائمة وروحها المرحة، حتى لقبت بـوزيرة السعادة. لكن تصريحاتها الأخيرة لشبكة سكاي سبورتس كشفت عن وجه آخر لهذه السعادة الظاهرة. تقول جابر بوضوح وصراحة مؤلمة: “عانيت نفسياً أكثر من جسدي، جسدي ظل يصرخ طلباً للراحة لفترة طويلة، لكن لم أستمع له. كنت غارقة في الاكتئاب دون أن أدرك ذلك، والناس يطلقون علي لقب وزيرة السعادة، لكن حزنت لفترة طويلة. الآن أمنح نفسي الأولوية، وهذه خطوة كبيرة بالنسبة لي.” هذا الاعتراف الصريح من لاعبة بحجم جابر، التي وصلت إلى نهائيات البطولات الكبرى، يسلط الضوء على الفجوة بين الصورة العامة للاعبات المحترفات والواقع القاسي للضغوط النفسية والجسدية التي يتعرضن لها خلف الكواليس.
جدول الـ WTA عبء لا يطاق يهدد مسيرة النجمات
تُشير جابر بأصبع الاتهام مباشرة إلى جدول البطولات المزدحم، قائلة: “جدول المنافسات يرهق الجميع، وآمل أن يستمع مجتمع التنس إلينا ويقلل عدد البطولات. هناك بطولتان متتاليتان من فئة ألف نقطة، وهذا كثير جداً. المنافسات مستمرة أسبوعين، ولا أحد من اللاعبات سعيد بهذا الوضع .”تُلزم قواعد WTA اللاعبات البارزات بالمشاركة في كافة البطولات الأربع الكبرى، إضافة إلى عشر بطولات من فئة ألف نقطة وست بطولات من فئة 500 نقطة. الغياب عن أي منها قد يؤدي إلى عقوبات تتراوح بين خصم النقاط أو غرامات مالية، مما يضع اللاعبات في مأزق حقيقي بين الحفاظ على تصنيفهن وصحتهن. هذا النظام، الذي يهدف إلى ضمان مشاركة النجمات في أكبر عدد من البطولات لزيادة الجاذبية التجارية، يبدو أنه أصبح سيفاً ذا حدين يهدد استدامة مسيرة اللاعبات.
أصداء الأزمة: جابر ليست وحدها في دائرة الضوء
ما كشفته أنس جابر ليس حالة فردية معزولة، بل هو صدى لمعاناة أوسع نطاقاً داخل مجتمع التنس النسائي. فقد تعرضت منافسات الرجال والسيدات مؤخراً لانتقادات شديدة بسبب ازدحام جدول البطولات، مما دفع مجموعة من أبرز اللاعبات مثل نعومي أوساكا، إيما رادوكانو، داريا كاساتكينا، إيلينا سفيتولينا، وباولا بادوسا لإنهاء مواسمهن مبكراً لأسباب تتعلق بالصحة الجسدية والنفسية. هذه القائمة الطويلة من الأسماء البارزة تؤكد أن المشكلة أعمق من مجرد إرهاق عابر، وأنها باتت تشكل تحدياً هيكلياً يواجه اللعبة ككل.

اتحاد الـ WTA بين الاعتراف بالضغط ووعود التغيير
من جانبه، أكّد اتحاد لاعبات التنس المحترفات WTA أن صحة وسلامة اللاعبات تظل أولوية قصوى، مشيراً إلى الاستماع لآراء اللاعبات وممثليهن بهدف تعديل هيكل البطولات وتحسين التعويضات المالية اعتباراً من عام 2024. من جهتها لم تحدد جابر، موعداً لعودتها للمنافسات، قائلة: “سأعود عندما أشعر بذلك، عندما أكون سعيدة مرة أخرى”، تضع الكرة في ملعب الاتحاد، وتطالبه بإجراءات حاسمة.
هل تتغير ملامح التنس النسائي؟
يبدو أن قرار أنس جابر بتغيير أولوياتها سيشكل نقطة تحول في عالم التنس النسائي. إنه يؤكد على أهمية الصحة النفسية للاعبات المحترفات وسط جداول بطولات مرهقة ومتزايدة. ففي عالم رياضي غالباً ما يرى اللاعبين كـروبوتات مهمتها اللعب فقط، كما وصفت جابر، تأتي هذه الصرخة لتذكير الجميع بإنسانية هؤلاء الرياضيين وحاجتهم للراحة والدعم. المستقبل القريب سيشهد ما إذا كانت هذه التصريحات ستدفع باتجاه إصلاحات هيكلية حقيقية في تنظيم البطولات، أو ما إذا كانت ستظل مجرد دعوة أخرى للتغيير في رياضة تتصارع فيها المصالح التجارية مع رفاهية اللاعبين. أنس جابر، التي أدركت أن صحتها أهم من أي لقب أو تصنيف، قد تكون قد فتحت الباب أمام عصر جديد من الوعي والمسؤولية في عالم التنس النسائي.












