هل تنجح باريس بتحدّي تنظيف نهر السين قبل انطلاق الألعاب الأولمبية؟

لقرون عدّة، كان نهر السين الفرنسي على الرغم من جماله وفوائده الحيوية، بمثابة مكب لنفايات باريس. لحسن الحظ قرّرت السلطات الفرنسية التمرّد على هذا الواقع بخطّة طموحة تهدف الى تنظيف هذا الشريان الحيوي للعاصمة، وتحويله إلى محطّة رئيسة ضمن برنامج الألعاب الأولمبية الصيفية التي ستنطلق بعد أيام وتحديدًا في 11 يوليو، إلا أنّ هذه الخطة محطّ الكثير من الشكوك، فهل ستنجح باريس في تحقيق هذا الحلم؟
خصّصت السلطات الفرنسية مشروعًا بتكلفة 1.4 مليار يورو، يهدف الى تنظيف نهر السين الذي سيكون إذا ما سارت الأمور حسب الخطط المرسومة، بمثابة مسرح لحفل افتتاح الألعاب الأولمبية، كما سيكون كذلك مكانًا لثلاثة أحداث للسباحة.
ولإظهار سلامة النهر، كانت عمدة باريس آن هيدالغو، تخطّط للسباحة هناك قبل الألعاب، في 23 يونيو المنصرم، ولكن تم تأجيلها بسبب الانتخابات التشريعية. وأظهرت الاختبارات الأخيرة أن النهر لا يزال يحتوي على مستويات خطيرة من البكتيريا، ما قد يشكل خطرًا صحيًا على عمدة باريس إذا سبحت فيه اليوم. ومع ذلك، يأمل المنظمون أن تمثل الألعاب الأولمبية بداية حقبة جديدة لهذا النهر العزيز على الباريسيين.
كان نهر السين في يوم من الأيام بوابة للسعادة: فقد كان الباريسيون يقصدونه للسباحة وقضاء الأوقات الممتعة خاصة في حوض سباحة ديليجني العائم، الذي يغذيه نهر السين. لكن السباحة كانت محظورة لأكثر من قرن بسبب حركة المرور في النهر والتلوث. فهل هذا الأمر على وشك التغيير؟
قرن من الإهمال
في القرن التاسع عشر، كانت مياه الصرف الصحي من المصانع والمنازل تُلقى في كثير من الأحيان مباشرة في نهر السين، وكان نظام الصرف الصحي الثوري الجديد في باريس، والذي تم تطويره كجزء من مشروع التجديد الحضري للبارون هوسمان خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بمثابة انتصار هندسي لباريس، لكنه كان سامًا للمدينة.
واليوم تسير الحركة في الاتجاه الآخر. لقد جلب مشروع التنشيط الذي استمر لسنوات عدة، حياة جديدة إلى الأرصفة، مع إعادة توظيف التراث الصناعي في الأماكن الثقافية. تمّت إعادة تطوير شبه الجزيرة الملوثة، التي كانت تستخدم في السابق لتخزين الفحم، لتصبح حديقة تضم أشجارًا تم اختيارها لخصائصها الطبيعية في التنظيف.
وتخطط المدينة لفتح ثلاث مناطق عامة للسباحة على طول النهر لصيف عام 2025، لتحويل مكب النفايات إلى مكان راق.
خطّة التحسين في نهر السين

بدأت نوعية مياه نهر السين في التحسّن في عام 1991، عندما أصدر الاتحاد الأوروبي تشريعًا يتناول مصدرًا رئيسيًا لتلوث المياه: مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية. يومها اتخذ الاتحاد المشترك بين الإدارات للصرف الصحي في تكتل باريس (SIAAP)، خطوات هامة لتحديث شبكات الصرف الصحي، بما في ذلك الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي في نهر السين، المسؤولة عن ثلاثة أرباع مياه الصرف الصحي في المنطقة. وفي عام 2015، طرحت مدينة باريس خطتها للسباحة، مصحوبة بتدابير ملموسة لتنظيف نهر السين والمارن، وهو رافد فرعي، وجعل نهر السين نظيفًا لدورة الألعاب الأولمبية 2024.
ودعت الخطة إلى ربط أكثر من 23 ألف مسكن، بما في ذلك المراكب، بشبكة الصرف الصحي، التي كانت في السابق تصرف مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى الأنهار.
عودة الحياة الى نهر السين
يقول القيّمون على مشروع تنظيف نهر السين، إنّ آثار عملية التنظيف بدأت تظهر في بعض مستجمعات المياه الأكثر تحضّرًا في فرنسا حيث بدأت الحياة البرية بالتنوّع. فخلال فترة السبيعينيات كان بإمكان أربعة أنواع فقط من الأسماك، جميعها مقاومة للتلوث، البقاء على قيد الحياة في مجرى هذا النهر. في الواقع، في السبعينيات، كان نهر السين، الواقع أسفل مجرى النهر من باريس، ميتًا بيولوجيًا تقريبًا. أما اليوم فيضمّ هذا المجرى ستة وثلاثين نوعًا مختلفًا من الأسماك.
تعرض أحواض السمك في Maison de la Pêche et de la Nature، العديد من الأنواع التي تعيش اليوم في نهر السين. وعلى حافة المياه، تقوم المؤسسة بترميم المروج المغمورة بالمياه التي تحتاجها الأسماك لوضع بيضها.
نهر السين… المهمة لم تنته بعد

على الرغم من هذا التحسّن في الحياة البرية في مجرى النهر، إلا أنّ المهمّة لم تصل الى هدفها بعد. إذ أظهرت الاختبارات التي أجريت أخيرًا على مياه نهر السين قبل شهر على إنطلاق الألعاب الأولمبية الصيفية، إنها لا تزال عند مستويات خطيرة من التلوث بالإشريكية القولونية، والتي غالبًا ما ترتبط بالبكتيريا البرازية.
وأظهر الاختبار، الذي أجرته مجموعة مراقبة ماء باريس التابعة لمكتب عمدة المدينة، أن مستويات التلوث في أربع مناطق مختلفة كانت أعلى من الحد الآمن الذي حدده الاتحاد العالمي للترياتلون.
وإلى جانب فعاليات الترياتلون، من المقرر أن يغوص السباحون المشاركون في ماراثون الألعاب الأولمبية في باريس، في النهر للمشاركة في فعاليات الترياتلون الثلاثة المقرّرة في الفترة من 30 يوليو إلى 5 أغسطس، بينما تقام سباقات الماراثون للسباحة خلال الألعاب الأولمبية في 8 و9 أغسطس المقبل. ومن المفترض أن يساعد الطقس الصيفي في جهود التنظيف، حيث أن فترة الجفاف وشمس الصيف ستساعد في قتل بعض البكتيريا.
ولكن على الرغم من هذه النتائج المخيبة للآمال، إلاّ أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعمدة باريس آن هيدالغو، لا زالا يؤكدان على أن جهودهما المستمرة منذ عقد من الزمن، ستجعل النهر الخلاب جاهزًا في الوقت المناسب للألعاب الأولمبية. وقال كلاهما إنهما يخططان للسباحة في النهر لإثبات نظافته.
الخطط البديلة
ولكن ماذا لو لم تكن مياه السين تتماشى مع المعايير الصحية يوم انطلاق منافسات السباحة والثرياتلون؟ للإجابة على هذا السؤال، قام رئيس اللجنة المنظمة، توني إستانغويت، بتفصيل العديد من الحلول الاحتياطية لأحداث السباحة في المياه المفتوحة والترايثلون، التي من المفترض أن تقام في نهر السين، الذي لم يستطع حتّى الآن التغلّب على مستوى التلوث والظروف غير الصحية فيه ما ثير القلق خاصة أننا على بعد أيام من الحدث.
ومن الحلول تعيين موقع فاير سور مارن (سين إت مارن)، الذي يستضيف فعاليات التجديف خلال أولمبياد باريس، كموقع احتياطي لسباق الماراثون للسباحة.
أما بالنسبة إلى فعاليات الترياتلون التي من المقرّر أن تقام في 30 و31 يوليو و5 أغسطس، فقال توني إستانغويت:”بالنسبة إلى الترياتلون، لدينا خطط طوارئ لتأجيل المنافسات، ما يتيح لنا أن نكون هادئين نسبيًا في حالة هطول الأمطار، وكحل أخير، تنصّ اللوائح على أنه يمكننا التحول إلى الدواثلون”.