سانتوني تحتفل بالذكرى الخمسين لتأسيسها: مقابلة مع جوزيبي سانتوني

بنهج مبتكر يجمع بين الحرفية التقليدية والرؤية العصرية، يقود جوزيبي سانتوني علامة سانتوني الإيطالية الشهيرة بصناعة الأحذية الراقية، التي أسّسها والده عام 1975 ويعزّز مكانتها الراقية في العالم المعاصر. فقد نجح جوزيبي في فتح أسواق جديدة أمام سانتوني مثل اليابان والصين وشمال أوروبا وروسيا، وطبع علامته بقيم الجودة والدقة والتقنيات المتطوّرة، حتّى أضحت واحدة من أبرز علامات المنتجات الإيطالية الفاخرة.
الرؤية الريادية، الابتكار وحب الجمال، كلّها قيم جمعها جوزيبي سانتوني، ضمن صيغة رابحة مكّنته من تحويل الشركة التي أسّسها والده أندريا سانتوني قبل خمسين عامًا في كوريدونيا، قلب منطقة ماركي الإيطالية الشهيرة بصناعة الأحذية، إلى علامة تجارية مرجعية، تسعى إلى تقديم منتجات فاخرة لعملائها، مع المحافظة على تراثها الحرفي ومواكبة الابتكار.
جوزيبي سانتوني، رجل أعمال متميّز يؤمن بأهمية الوعي بالتقاليد وقوة الابتكار، ويعتبر “الجودة” أحد تعبيراته المفضّلة وأيضًا هوسه. إن جهوده التعاونية التي قام بها مع IWC Schaffhausen و BMW Italia، في عام 2024 هي بالتأكيد نتاج شغفه الشخصي، ولكنها تنبع قبل كل شيء من إعجابه بالدقة والتقنية الرائعة.
وتتوفر إبداعات سانتوني اليوم في أفضل المتاجر العالمية وفي شبكة من المتاجر الرئيسية التي صمّمتها باتريزيا أوركيولا، والتي تترجم الذوق اللوني وثراء المواد، إلى بيئات ترحيبية ذات جاذبية حديثة مميزة.
حرفية متوارثة
عند الحديث عن سانتوني لا بدّ من الحديث عن المعرفة والحرفية والبراعة التي تشكّل الفلسفة التي تدفع العلامة التجارية في جميع جوانبها. تنبض إبداعات سانتوني بالحياة من خلال تقنيات رائعة يتم تناقلها من جيل إلى جيل. علمًا أن ورش عمل العلامة في كوريدونيا تضمّ أكثر من أربعمئة صانع أحذية.
وتعتمد سانتوني مفهوم “School-Atelier” الذي يدعم وقوف المتدرّبين بجانب الحرفيين ذوي الخبرة كل يوم، لسنوات لتعلّم التقنيات والحرفيات المطلوبة، علمًا أن تعلّم فنون القطع والتلوين والخياطة اليدوية، يتطلّب تفانيًا مضنيًا. وبالنسبة إلى سانتوني، يعدّ التدريب الداخلي أمرًا حيويًا: في الواقع، لا يقدم السوق موارد بشرية مجهزة بالفعل بمثل هذه الثروة من المعرفة، والتي لا غنى عنها لإنتاج منتجات سانتوني.
تجمع أحذية سانتوني بين الأناقة والوظيفية والخفة في تصاميم أنيقة
تقنية فيلاتورا

تعتبر ألوان سانتوني نتاج مهارة فريدة، وذلك بفضل تقنية فيلاتورا التي قام فنانو سانتوني بتحسينها مع مرور الوقت: وهي تقنية تلوين الأحذية اليدوية التي لا تختلف كثيرًا عن الإجراءات التي جعلت فناني عصر النهضة ورسامي المناظر الطبيعية في البندقية، عظماء.
من خلال هذه التقنية يتم تطبيق اللون في طبقات متتالية، واحدة فوق الأخرى، حتى يظهر اللون المطلوب، والنتيجة غنية وكثيفة. ينقل أساتذة تقنية فيلاتورا الوصفات الأصلية المحفوظة إلى تلاميذهم. وتتطلب العملية الدقيقة ما يصل إلى خمسة عشر خطوة مختلفة، ما يزيد من حجمها لعدد كبير من ساعات العمل. يتم كل شيء بدقة باليد، مع وضع حجاب أول من اللون يُترك ليمتص، يليه المزيد من تطبيقات اللون بقطعة قماش صوفية. وتمنح تقنية Velatura كل حذاء بريقًا فريدًا لا يمكن تكراره، كبصمة إصبع، لأنه مصنوع يدويًا.
التزام بيئي وإنساني
تلتزم سانتوني بالحفاظ على البيئة، إذ يتميّز مقرها في كوريدونيا بتصميم صديق للبيئة يعتمد على الطاقة الشمسية، مصنوع بنسبة 90 في المئة من المواد القابلة لإعادة التدوير، ما يسهم في تقليل استهلاك الطاقة بشكلٍ فعال.
تم تجهيز المشروع بمحطة طاقة كهروضوئية، وقد حصل على جائزة METRA 2011 Authoring System Award المرموقة، في فئة التقنيات المبتكرة.
الى ذلك تلتزم سانتوني الممثلة بشخص جوزيبي، بدعم المجتمع المحلي وقد تمّ تكريم جهوده في هذا المجال في عام 2022، حين تمّ تعيينه بفخر كبير كـ Cavaliere del Lavoro من قبل رئيس الجمهورية الإيطالية سيرجيو ماتاريلا.
جوزيبي سانتوني
“جوهر علامتنا يكمن في قدرتها على دمج التقاليد مع الابتكار”

للتعرّف أكثر على جوزيبي سانتوني وخططه المستقبلية وأسرار نجاحه في قيادة علامة سانتوني، كان لمجلّتنا مقابلة شيّقة معه أطلعنا خلالها على أبرز نقاط قوة العلامة، شارحًا قيمها وفلسفتها.
تشتهر سانتوني بتفوّقها الحرفي. هل يمكنك إطلاعنا على كيفية الحفاظ على الحرفية التقليدية للعلامة التجارية مع دمج الابتكار العصري؟
أستطيع أن أقول بكل فخر إنّ جوهر علامة سانتوني يكمن في قدرتها على دمج التقاليد مع الابتكار. إذ إنّ كلّ منتج من منتجاتنا يتمتّع بالأصالة والجودة العالية من حيث المواد والحرفية على حدٍّ سواء. وفي الوقت ذاته، وكشركة ذات حضور عالمي، نحرص على أن نكون في طليعة الابتكار والتكنولوجيا.
نستثمر بشكلٍ كبير في دمج التقنيات الحديثة في عملياتنا اليومية. وعلى الرغم من أنّ ذلك قد لا يكون اختراقاً تقنياً رائداً، إلّا أنه خطوة هامة بالنسبة لشركة مثل سانتوني، حيث يتم تصنيع كلّ منتج يدوياً داخل المصنع، ما يضمن التزامنا بأعلى معايير الجودة.
من ناحية التصميم، نبدأ من الأساسيات التقليدية ثم نعيد صياغتها بشكلٍ عصري يتناسب مع ذوق الجمهور الراقي.
وبينما نحترم تقاليد فن صناعة الأحذية، تشكّل مجموعتنا الجديدة المبتكرة “Easy“، دليلاً على التزام سانتوني المستمر بالبحث والابتكار. وتضمّ المجموعة أحذية رجالية تجمع بين الأناقة والوظيفية والخفة في تصاميم أنيقة. سواء أكانت الأحذية الرفيعة أو اللوفر الكلاسيكية أو الأوكسفورد التقليدية، كلّ تصميم مصنوع إمّا من جلد العجل الفاخر بتدرّجات لونية، أو من جلد العجل المدبوغ الناعم بتأثير الظلال، ويتميّز بنظام هيكلي مبتكر يقلّل من وزن الحذاء بشكلٍ ملحوظ مقارنةً بالنماذج التقليدية.
يُعدّ مفهوم سانتوني “School-Atelier” الذي يجمع بين المدرسة والمشغل، مبادرة مبتكرة. كيف ترى تأثير هذه المبادرة في تشكيل مستقبل الحرف اليدوية في صناعة الأحذية الفاخرة؟
تسعى سانتوني إلى تحقيق هدف طموح يتمثّل في الحفاظ على تراث الحرف والفن “المصنوع في إيطاليا”. يتم إحياء إبتكاراتنا من خلال تقنيات توارثتها أجيال من الحرفيين. الحرفيون المتمرسون، الذين يعملون معنا منذ تأسيس الشركة، هم المسؤولون عن توجيه الحرفيين الجدد. ومع مرور الوقت، سيصبح هؤلاء الوافدون الجدد، الجيل التالي من الخبراء. هذه المعرفة القيّمة تُنقل داخل المشغل من خلال عملية الإبداع.
منذ مارس 2023، بدأنا في إدارة أكاديمية التميز Accademia dell’Eccellenza، وهي برنامج تعليمي يهدف إلى تدريب الحرفيين الطموحين من خلال مزيج من الدروس النظرية والعملية. يقوم حرفيّونا ذوو الخبرة بتوجيه المتدرّبين خلال جميع مراحل عملية الإبداع، ويشاركونهم معارفهم المتعمّقة. بعد إتمام البرنامج، يتم النظر في المتدرّبين لشغل المناصب المتاحة في سانتوني. إضافةً إلى ذلك، نعمل مع مدرسة محلية لدعم التعليم وتعزيز الحرفية في المنطقة.
تُعتبر تقنية Velatura لتلوين الأحذية، المستوحاة من فنون عصر النهضة، من السمات المميّزة لعلامة سانتوني. كيف تعكس هذه التقنية التزام العلامة بالفن والتميّز الفردي؟
تُعد تقنية فيلاتورا تجسيداً لبراعة سانتوني الفريدة، وهي مهارة محكومة بعناية فائقة. من خلال هذه التقنية، يتم تطبيق الألوان على الأحذية بشكل طبقات لخلق لون عميق وغني. تشمل العملية ما يصل إلى 15 خطوة دقيقة، مع ضربات فرشاة متقنة ومدروسة، ما يضمن متانة اللون ويُكوّن طبقة تميّز كل قطعة بفرادتها مع مرور الزمن. هذه الحرفية الرفيعة لا تساهم في تعزيز الجاذبية البصرية للأحذية فحسب، بل تسلّط الضوء أيضاً على الفن الكامن وراء كلّ زوج.
تحتفل سانتوني هذا العام بمرور 50 عاماً على تأسيسها، ماذا يعني لك هذا الإنجاز شخصياً وللعلامة التجارية؟ وكيف ترى مستقبل سانتوني في الـ50 سنة المقبلة؟ هل هناك أهداف أو توجهات معيّنة تشعر بالحماس نحوها؟
يشعرني هذا الحدث بفخرٍ كبير عندما أفكر في مرور 50 عاماً منذ أن أسّس والدي الشركة في عام 1975. وعند النظر إلى الوراء، أرى رحلة طويلة استثنائية، مليئة بالنمو والتحديات والعديد من لحظات النجاح. ونحن نحتفل بهذه الذكرى المميزة، أشعر بامتنان عميق لكلّ من ساهم في رسم معالم نجاح الشركة. كلّ فرد شارك في هذه الرحلة، من البداية وحتى اليوم، له مكانة خاصة في قلبي، فهم ليسوا مجرد زملاء، بل هم جزء من عائلة سانتوني التي أعتز بها.
أمّا بشأن المستقبل، فإنّ طموحي هو مواصلة توسيع نطاق أعمالنا مع الحفاظ على ارتباطنا العميق بجذورنا، من خلال المحافظة على قيمنا الأساسية التي تتمثل في الجودة الاستثنائية والفن الذي يميّزنا. الهدف النهائي والأساسي هو أن تواصل سانتوني ازدهارها في عالم الرفاهية، وأن تظل واحدة من أكثر العلامات التجارية شهرةً في العالم.
عند استعراض رحلة سانتوني، ما هي اللحظات أو القرارات الحاسمة التي كانت محورية في نمو العلامة التجارية وهويتها؟
عند التفكير في رحلة سانتوني، هناك لحظات وقرارات عدّة بارزة، كان لها تأثير كبير في تشكيل نمو العلامة التجارية وهويتها. كان مبدأ والدي الأساسي واضحاً: “لا تقبل المساومة على الجودة”. هذه المقولة البسيطة والعميقة كانت الأساس لكل ما نقوم به. جوهر سانتوني يكمن في مهارتنا التي أصبحت من أركان ثقافتنا وهوية علامتنا التجارية. على مدار السنوات، حافظنا على التزامنا بالجمال والحرفية بأعلى معايير الجودة.
مع الافتتاح الأخير لمتجركم في مجمع الأفنيوز بالكويت، كيف تقيمون تأثير السوق الشرق أوسطي على استراتيجية نمو سانتوني؟
تُعدّ منطقة الشرق الأوسط من أبرز الأسواق المساهمة في مبيعات العلامة التجارية. تظل بوتيكات سانتوني في دبي والكويت من أولوياتنا الاستراتيجية، وأنا فخور جدًا بالافتتاح المرتقب في الدوحة، قطر، الشهر المقبل.

كيف تقوم سانتوني بتكييف عروضها لتتناسب مع أذواق وتفضيلات العملاء في منطقة الشرق الأوسط؟
يتميز عميل سانتوني بذوقٍ رفيع وقدرة على التمييز، فهو يدرك قيمة الرفاهية وجودة المنتجات. يقدّر عميل سانتوني التقاليد، لكنه في الوقت نفسه يرحّب بالابتكار، ما يجعله أكثر جرأةً واستعداداً لاستكشاف الأساليب والتصاميم الفريدة. باعتبارها علامة تجارية تعتمد على الحرفية اليدوية، فإنّ عميل سانتوني هو شخص يثمّن الجمال والجودة في جميع جوانب حياته. نحن نقدّم لعملائنا مجموعة متنوّعة تشمل الأنماط الكلاسيكية مثل أحذية اللوفر، فضلاً عن الخيارات العصرية مثل الأحذية الرياضية.
يُعدّ تصميم مقرّ سانتوني في كوريدونيا، الذي يتّسم بالاستدامة البيئية، مصدر إلهام. هل تعتزمون تطبيق الجهود المتعلقة بالاستدامة المستقبلية نفسها، في مناطق أخرى؟
تبتكر سانتوني الجمال، والجمال اليوم لا يقتصر على الشكل فحسب، بل يشمل أيضاً الاستدامة. التصرف بشكلٍ مستدام يُعدّ أمرًا أساسيًا. كمواطنين نعيش على هذا الكوكب، نتحمل جميعاً مسؤولية التصرّف بحذر. استنادًا إلى هذه القيم والمبادئ، تمكّنت من تحويل الشركة العائلية إلى نموذج عالمي في الإدارة المسؤولة، مع التركيز الكبير على الاستدامة في مختلف جوانبها: الاقتصادية، الاجتماعية، البيئية، وحوكمة الشركات.
شغفك بالتميّز والابتكار معروف على نطاق واسع. كيف تتمكّن من موازنة الحفاظ على التقاليد مع دفع حدود التصميم والتكنولوجيا؟
في سانتوني، نعتبر أنّ الحرفية والتكنولوجيا يشكّلان معاً عنصرين لا غنى عنهما، إذ من الصعب تخيّل مستقبل أعمالنا دون الاعتماد على هذه التكنولوجيا الحديثة. الأهم بالنسبة لنا هو الحفاظ على مهاراتنا اليدوية ونقلها إلى الأجيال القادمة من الحرفيين.
كانت رؤية والدي، أندريا، تتمثّل في تطوير العملية الحرفية لتصبح صناعية، مع الحفاظ على جودة التصميم، والبحث المستمر عن أفضل المواد، وأقصى درجات العناية في التنفيذ. يمكنني القول إنّ عملية الإنتاج في سانتوني لم تشهد أي تغيير منذ عام 1975، إذ نواصل التركيز بشكلٍ كبير على الحرفية بفضل المساهمة الفعّالة لحرفيينا الذين يمثلون القوة الأساسية لكل قسم، وهم من يضفون الحياة على جميع إبداعات سانتوني، بما في ذلك تلك الأكثر جرأةً وابتكارًا.
تُسلّط التعاونات مع علامات تجارية مثل BMW و IWC Schaffhausen الضوء على تنوع علامة سانتوني. ما الذي ألهم هذه الشراكات، وكيف تتماشى مع قيم العلامة التجارية؟
أؤمن كثيرًا بقيمة التعاونات. فعندما تتعاون مع علامة تجارية من قطاع مختلف، تتوافق مع قيمك الأساسية وفلسفتك، فإن ذلك يخلق فرصة رائعة للنمو المتبادل. وهذا النوع من الشراكة لا يوسّع آفاقك فحسب، بل يثري أيضاً تجربتك ومعرفتك. ومن خلال دمج الخبرات المختلفة والطاقة الإبداعية، يمكن للعلامتين أن تزدهرا معاً، وتتعلمان من بعضهما البعض، وبالتالي تتوسع تأثيراتهما بطرقٍ لا يمكن تحقيقها بشكلٍ فردي.
كشخص نشأ في هذا المجال ووسّعه عالمياً، ما هي النصيحة التي توجهها للجيل القادم من قادة العلامات التجارية الفاخرة؟
أن تظلّ مخلصاً لشغفك وتحافظ على أصالتك. اغمر نفسك بما تؤمن به، وكن دائمأً مبتكراً في رؤاك وأفكارك.