البنك الدولي وباء كورونا محى ثلاث سنوات من التنمية… حتى الآن
تقديرات مرعبة كشف عنها تقرير أعدّه أربعة من خبراء البنك الدولي، تشير إلى أن وباء كورونا محى التقدّم المحرز فـي مجال محاربة الفقر فـي أكثر من ثلاثة أعوام، متوقّعين أن يفوق عدد الفقراء الجدد 150 مليوناً حول العالم.
وفق خبراء البنك الدولي يعدّ وباء كورونا واحداً من مجموعة أسباب تعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلى جانب تغير المناخ والصراعات الاقتصادية والعسكرية التي كانت تبطئ بالفعل من وتيرة خفض الفقر، ليأتي وباء كورونا دافعاً أكثر من مئة وخمسين مليوناً لينضموا إلى من يعانون من الفقر المدقع، ما يرفع إجمالي عددهم إلى أكثر من 840 مليون إنسان حول العالم. ووفق التقرير فإن 8 فـي المئة من سكان العالم، كانوا يعيشون بأقل من دولارين يومياً، وهذه النسبة ستزيد إلى 9,4 فـي المئة، وسيزيد الفقر بشكل أكبر لدى البلدان النامية والهشة بنسبة تصل إلى 55 فـي المئة من إجمالي عدد الفقراء، فـي وقت سينزلق فـي أفريقيا وحدها 40 مليون إنسان إلى فقر مدقع.
ويشير التقرير إلى ضرورة صياغة سياسات اقتصادية جديدة، تهدف إلى توسيع دوائر الحماية للفئات الهشة، لأن وباء كورونا يؤدّي إلى دورات من ارتفاع التفاوت فـي الدخل والثروة وتراجع القدرات المالية لدى الفئات الأكثر احتياجاً، ما يقلص قدرتها على الصمود فـي وجه الصدمات المستقبلية.
التقديرات المحدَّثة لتأثير جائحة كورونا على الفقر فـي العالم
كان البنك الدولي قد قدّر فـي مدوّنة سابقة له، أن جائحة كورونا كانت مسؤولة عن سقوط 71 مليون شخص إلى 100 مليون إضافـيين فـي براثن الفقر المدقع فـي عام 2020، (وتم القياس باستخدام خط الفقر الدولي البالغ 1,90 دولار للفرد يوميًا). ويقول البنك منذ وقت هذا التحليل، فقد أدخلنا بيانات جديدة فـي شبكة إحصاء الفقر، وهي أداة إلكترونية على شبكة الإنترنت قدمها البنك الدولي لتقدير أوضاع الفقر عالميًا. ويجعلنا هذا نُنقِّح تقديرات عدد الفقراء قبل تفشِّي جائحة كورونا، وعدد الفقراء الذين يسقطون فـي براثن الفقر المدقع بسبب الجائحة. ووفقًا للتقديرات الجديدة، كان 9,2 فـي المئة من سكان العالم أو 689 مليون نسمة يعيشون فـي فقر مدقع فـي عام 2017. وهذا ما جعلنا أيضا نُنقِّح تحليلنا لتأثيرات جائحة كورونا، وتشير تقديراتنا الآن إلى أنه من المحتمل أن تؤدّي جائحة كورونا إلى سقوط ما بين 88 مليون شخص و115 مليونًا فـي براثن الفقر المدقع فـي عام 2020، مُؤخرةٌ بلوغ أهداف الحد من الفقر نحو ثلاثة أعوام. كما أُدرِجت هذه التقديرات الجديدة تقرير الفقر والرخاء المشترك.
ويضيف البنك، كما فعلنا فـي المرة السابقة، نحسب أعداد الفقراء بسبب جائحة كورونا بالمقارنة بين معدّلات الفقر باستخدام تنبؤات النمو فـي إصداري يونيو 2020 ويناير 2020 من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية. ويُمثِّل تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يناير نموذج الوضع المغاير للحقيقة للفقر فـي عالم خالٍ من جائحة كورونا. ويُقدِّم تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يونيو مجموعتين من تنبؤات النمو:( أ) سيناريو خط الأساس مع استمرار جائحة كورونا بمستوياتها الحالية (يفترض انكماش النمو العالمي بنحو 5 فـي المئة فـي 2020)؛ و(ب) سيناريو تدهور الأوضاع بسبب الجائحة (يفترض انكماش النمو بنحو 8 فـي المئة فـي 2020). وتُقدَّر الأعداد الإضافـية من الفقراء بسبب جائحة كورونا على أساس الاختلاف فـي معدلات الفقر المستمدة من استخدام تنبؤات تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يونيو ومقارنتها بتنبؤات التقرير لشهر يناير. وتشير تقديراتنا إلى أن عددًا إضافـيا يبلغ 88 مليون شخص سيعيشون فـي فقر مدقع فـي عام 2020 نتيجةً لجائحة كورونا، وأن هذا العدد قد يرتفع إلى 115 مليونًا فـي سيناريو يفترض تدهور الأوضاع بسبب الجائحة ، مع احتمال وقوع تأثيرات اقتصادية أشد للجائحة.
الشكل 1
تأثير جائحة كورونا على الفقر المدقع على الصعيد العالمي
يُظهِر الشكل 2 التوزيع الإقليمي لأعداد الفقراء الإضافـية نتيجةً لجائحة كورونا. ويقارن هذا الشكل بين هذه التقديرات والتحديثات السابقة. ومع البيانات الجديدة لشبكة إحصاء الفقر، يزيد العدد الإضافـي للفقراء بسبب الجائحة زيادة كبيرة عند خط الفقر البالغ 1,90 دولار للفرد يوميًا، ولكن التأثير عند خطوط الفقر الأعلى أضعف. على سبيل المثال، زاد عدد الفقراء من جراء الجائحة من 71 مليونا (سيناريو خط الأساس فـي يونيو) إلى 88 مليونا عند خط الفقر البالغ 1,90 دولار(سيناريو خط الأساس فـي سبتمبر/أيلول) مقارنة بهبوط طفـيف من 176 مليونًا إلى 175 مليونًا عند خط الفقر البالغ 3,20 دولارات للفرد يوميًا. وترجع نسبةُ كبيرةٌ من التنقيح بالزيادة عند خط الفقر البالغ 1,90 دولار للفرد يوميا إلى منطقة جنوب آسيا التي قمنا فـيها بتحديث التقديرات الخاصة بالهند فـي 2017/2018، بالإضافة إلى التغييرات فـي مستويات تعادل القوة الشرائية، ولكن على الرغم من هذه التغييرات، تظل التركيبة على مستوى المناطق لأعداد الفقراء من جراء الجائحة فـي 2020 متماثلة إلى حد كبير: فمعظم الفقراء الجدد عند خط الفقر المدقع، وكذلك عند خطوط الفقر الأعلى يعيشون فـي جنوب آسيا. تليها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء عند خط الفقر 1,90 دولار للفرد يوميا وشرق آسيا والمحيط الهادئ عند خط الفقر 5,50 دولارات.
الشكل 2: توزيع أعداد الفقراء من جراء الجائحة فـي مختلف المناطق، 2020
ثمة طريقة أخرى لقياس شدة تأثير الجائحة على أعداد الفقراء على الصعيد العالمي، وهو المقارنة بين صدمة الجائحة والصدمات الأخرى التي أدت إلى زيادة أعداد الفقراء فـي الماضي. فـي الواقع، الصدمة الوحيدة الأخرى التي أدت إلى زيادة أعداد الفقراء على مستوى العالم فـي الثلاثين عاما الماضية كانت فـي الأزمة المالية الآسيوية فـي 1997/1998. وكانت أعداد الفقراء تتناقص قبيل الصدمتين. وأدت الأزمة المالية الآسيوية إلى زيادة معدل الفقر بنسبة 1,3 فـي المئة فـي 1998 مقارنة بعام 1997 من 29,6 فـي المئة إلى 30 فـي المئة، لكن من المتوقع أن تؤدي جائحة كورونا إلى زيادة معدل الفقر بنسبة 8,1 فـي المئة فـي 2020 عن مستواها فـي 2019 من 8,4 فـي المئة إلى 9,1 فـي المئة. وستكون الزيادة أكبر فـي سيناريو تدهور الأوضاع فـي سبتمبر/أيلول الذي يتنبأ بأن معدل الفقر زاد بنسبة 12,2 فـي المئة. ونحن نعرف ما حدث بعد الأزمة المالية الآسيوية، فقد انخفض معدل الفقر فـي العالم فـي المتوسط بنسبة 3,8 فـي المئة فـي السنوات الخمس التالية. غير أن جائحة كورونا لا تزال تتطوَّر، والتنبؤات الأطول أجلا ليست متاحة. وباستخدام البيانات والتنبؤات المتاحة الآن، يبدو أن الجائحة قد تسبَّبت بالفعل فـي أسوأ انتكاسة فـي الطريق نحو بلوغ هدف الحد من الفقر فـي العقود الثلاثة الماضية على الأقل.
الشكل3: المقارنة بين تأثير جائحة كورونا والأزمة المالية الآسيوية
كما فعلنا فـي المرة السابقة، نستخدم مُعدلا قدره 0,85 لانتقال تأثير الأسعار العالمية إلى الأسعار المحلية لتعديل معدلات النمو لسنوات التنبؤ أي السنوات 2019-2021. ونحن نستخدم تنبؤات يونيو 2020 من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية فـي كل السيناريوهات لعام 2019، وبالنسبة للسنتين المتأثرتين بجائحة كورونا 2020و2021، نستخدم تنبؤات تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يناير فـي سيناريو ما قبل تفشِّي جائحة كورونا، وتنبؤات التقرير لشهر يونيو لسيناريوهين فـي ظل جائحة كورونا. ( مُدوَّنتنا السابقة استخدمت تنبؤات النمو الواردة فـي تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية لشهر يناير 2020 لسيناريو ما قبل تفشِّي الجائحة فـي عام 2019 ) بالإضافة إلى عامي 2020 و2021ولذلك، وجدنا اختلافا فـي تنبؤات أعداد الفقراء فـي سيناريوهات ما قبل تفشِّي الجائحة وفـي ظل تفشِّي الجائحة فـي 2019. ولحساب العدد الإضافـي من الفقراء الذي يُعزَى إلى الجائحة فـي عامي 2020 و2021، استخدمنا منهجية الاختلاف فـي الاختلافات. وفـي هذا الصدد، نستخدم الاختلاف البسيط لعامي 2020 و2021، لأن تنبؤات إصدار يونيو من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية تُستخدم فـي جميع السيناريوهات فـي 2019، ويقل الاختلاف فـي عدد الفقراء وفقًا للمنهجيتين عن مليون.