رجال مميّزون في القرن العشرين
إنطبع تاريخ البشرية بشكل غالب ، بإنجازات أو إخفاقات الرجال الذين تمكّنوا من تبوء مراكز القيادة السياسية والعسكرية ، وتحكّموا بقرارات السلم والحرب ؛ أو أولئك الذين إنفتحت أمامهم مجالات العمل والعلم وآفاق الإختراع .
ذلك أنه بالرغم من أهمية العمل الجماعي والتبلور التدريجي للشخصية المميّزة للجماعات ، فقد كان لافتًا على الدوام ، مدى تمكّن شخصيات تاريخية بمفردها ، من قيادة شعوبها على دروب العزة والتقدّم أو التقهقر والإندحار .
ميادين التميّز
لم يمنح التاريخ صفة العظمة أو التميّز للرجال ، إلا لمن إنطبقت عليهم مواصفات محدّدة متعارف عليها في مجال الإقدام والإنجاز .
إلاّ أن وسائل الإعلام الحديثة باتت تسلّط الأضواء على فئة خاصة أخرى من الرجال المميّزين ، يُطلق عليهم في معجم اللغة الإنكليزية وفي لغات عديدة أخرى ، لقب الرجال ألـ “بدس” .
ليس هناك من ترجمة محدّدة باللغة العربية لهذه الكلمة الهجينة . إلاّ أنها تعني بشكل عام ، الرجال الذين تميّزوا ، في الحياة الفعلية ، أو في التمثيل أو في مخيّلة المخرجين ، بـ“أنشطة خارجة عن المألوف” ، سواء أكانت هذه الأنشطة إيجابية أم سلبية ، مسالمة أم عنيفة .
من بين هؤلاء الرجال في الحياة الفعلية ، فئة الذين قادوا شعوبهم الى ميادين النصر والتنمية الإقتصادية والإجتماعية ، أو من ساهموا في تقدّم العلوم وتعزيز فرص الإكتشاف والإختراع ، وإلتزموا خدمة الشعب وتعزيز الآداب والقيم … ؛
وفي مقابل ذلك ، فئة أولئك الذين تميّزوا بالقدرة والبأس ، ولا يعرفون التردّد أوالخوف ، ويقارعون الخصوم ببالغ القسوة في ميادينهم ، كما بتنا نتابع ذلك في الكتب والأفلام والمسلسلات …
تشمل هذه التسمية كذلك ، فئة النساء أنفسهنّ، اللواتي تميّزن في ميادين مختلفة ، أسوة بالرجال ، كما أشرنا الى ذلك في “اليقظة الجديدة ” تحت عنوان:”سيدات مميزات ورائدات”.
أمثلة عن رجال متميّزين في القرن العشرين
تميّز القرن العشرين للأسف بحربين عالميتين مدمرتين وبإستعمال القنبلة النووية للمرة الأولى في تاريخ البشرية ، وبالعديد من الحروب “الصغيرة” ، التي أودت بحياة الملايين في دول العالم الثالث . وطغت على المشهد العالمي صور قادة أصبحوا رمزًا للفاشية والتوسّع والديكتاتورية والعنف ؛ وقادة ساهموا في المقابل في توحيد الأمم في أنظمة دولية ضابطة ومحفّزة على السلام والتنمية والتعاون ، كمنظمة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي وغيرها .
يصعب ذكر جميع الرجال الذين تميّزوا في مجال القيادة أو العلم أو المهن الحرة أو العمل الإنساني دفعة واحدة ، وهم كثر .
إلاّ أننا سنركّز في هذا العدد على بعض من برز منهم سلبًا أم إيجابًا في حقول مختلفة خلال القرن العشرين ؛ على أن نضيء تباعًا في أعداد ونشرات لاحقة ، على المزيد من الشخصيات المؤثّرة التي تميّزت في مختلف القارات والميادين .
كما أننا سنخصّص دراسة مستقلة في مقالات لاحقة عن الرجال الذين تميّزوا في عالمنا العربي .
غريغوري يفيموفيتش المعروف بـ” راسبوتين”
فلاح روسي من سيبيريا دخل التاريخ كرجل ساحر وإشكالي . أصبح مستشارًا مقرّبًا من الأمبراطور نيقولا الثاني ومن زوجته اليكسندرا . نسبت إليه قدرات خارقة ، بما في ذلك رؤية المستقبل وشفاء الكثيرين من الأوجاع والأمراض (بما في ذلك مداواة إبن الأمبراطور أليكسي نيقولايفتش نفسه) . تمكّن من النجاة من جميع ما تعرّض له من محاولات إغتيال ، إلى أن دُعي الى أحد المنازل حيث دُست له مادة الـ“سيانور” السامة ليل التاسع والعشرين من ديسمبر ١٩١٦ ، من قبل مجموعة من المحافظين المتشدّدين المنزعجين من نفوذه الغالب ومن تصرفاته غير المألوفة ، ثم أطلق عليه الرصاص وألقي مكبلاً ومضرًجًا بالدماء في نهر الـ“نيفا” المتجلّد حيث مات فيه غرقًا .
موهاندس كرمشند “غاندي”
محام وسياسي هندي ناشط أسس حزب ” المؤتمر الوطني الهندي” . قاد حركة إستقلال بلاده عن الإستعمار البريطاني ، على قاعدة الإعتراض السلمي لتحقيق التقدّم السياسي والإجتماعي والإلتزام بحزم، بالحقيقة دون اللجوء الى العنف (وهي نظرية تدعى “ساتياغراها” بالهندية) . أُطلق عليه عام ١٩١٤ لقب الـ“ماهاتما” غاندي (أي الروح العظيمة) .
يُعرف عن غاندي أنه كان يتبع حمية غذائية نباتية ، ويعارض إلحاق الأذى بأي مخلوق كان ، ويلجأ إلى الصوم لتطهير النفس ، ويؤمن بالتسامح بين المذاهب والأديان . رفض قبول جائزة نوبل أربع مرات على التوالي .
أُدخل السجن مرات عدّة ، وإختارته مجلة تايم ماغازين عام ١٩٣٠ “رجل العام” . شارك بفعالية في التفاوض مع السلطات البريطانية ما أفضى الى إستقلال الهند . إلاّ أنه لم يتمكّن من الحؤول دون تقسيم الأرض الى دولتين : الهند بغالبية هندوسية ، وباكستان بغالبية مسلمة .
إغتيل بتاريخ ٣٠ يناير ١٩٤٨، من قبل متطرّف هندوسي حاقد أغضبه إعتدال غاندي وتسامحه . ألهم أسلوب نضاله السلمي لاحقًا نشطاء مثل مارتن لوثر كينغ ونلسون مانديلا .
سيغموند فرويد
طبيب نفسي نمساوي يُعتبر أب علم التحليل النفسي . أصبح هو وزميله في الجامعة “كارل دجونغ” من أبرز علماء النفس في التاريخ الحديث.
فلاديمير لينين
المنظّر السياسي والقائد الشيوعي الذي ألهم الثورة البولشيفية التي بدأت في شهر أبريل ١٩١٧ ، على قاعدة الفكر الماركسي . خلفه جوزف ستالين الذي قاد الإتحاد السوفياتي بشكل ديكتاتوري دموي ومطلق من العام ١٩٢٠ لغاية وفاته العام ١٩٥٣ ، بموازاة صعود نجم ماو تسي تونع الذي طبع تاريخ الصين الشعبية الحديث .
البرت آينشتاين
عالم مميّز طوّر نظرية النسبية وحصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام ١٩٢١ .
محمد علي كلاي
الملاكم الاميركي الأبرز الذي كان يدعى كاسيوس كلاي قبل إعتناقه الإسلام عام ١٩٦٤ . ولد عام ١٩٤٢ ، تغلّب على منافسيه في ٥٦ مباراة من أصل ٦١ وفاز مرارًا بلقب بطل العالم للملاكمة . أصيب بمرض باركنسون عام ١٩٨٤ وتوفي بتاريخ ٢ يونيو ٢٠١٦ عن عمر ناهز الـ ٧٤ عامًا .
لويس أرمسترونغ
أهم عازف جاز أميركي وعالمي في العشرينيات .
شارلي شابلين
الممثل الهزلي البريطاني الذي طبع السينما العالمية الصامتة بفن سينمائي معبّر ومميّز .
وولتر ديزني
مبتكر أفلام الصور المتحركة الشهيرة ولا سيما شخصيتا “ميكي ماوس“و“دونالد دك “. أنشأ مع أخيه شركة وولت ديزني ، وفرض نفسه في هوليوود وفي العالم في مجال الإبداع والترفيه السينمائي .
الفوهرر النازي الألماني أدولف هتلر ، والزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني
دفعا العالم الى أتون حرب عالمية ثانية .
رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل ، الزعيم السوفياتي جوزف ستالين ، الرئيس الاميركي فرانكلين روزفيلت
إجتمعوا في يالطا في جزر القرم من ٤ الى ١١ فبراير ١٩٤٥ ، من أجل إعادة تنظيم الأوضاع الدولية وإقتسام النفوذ ، ولا سيما في أوروبا وآسيا ، بعد أن إنتصرت دولهم على ألمانيا النازية وحلفائها .
الجنرال شارل ديغول
قائد المقاومة الفرنسية ضد الإحتلال النازي لبلاده . إنتخب رئيسًا للجمهورية الفرنسية عام ١٩٥٩ وطبع تاريخ بلاده بشخصيته وإنجازاته .
رائد الفضاء السوفياتي ” يوري غاغارين “
أول رائد فضاء في العالم يدور دورة كاملة حول الأرض على متن المركبة الفضائية “فوستوك” عام ١٩٦١ .
وقد أصبح يُحتفل مذ ذاك في الثاني عشر من أبريل من كل عام بـ“اليوم العالمي للفضاء ” .
رائد الفضاء الأميركي ” نيل آرمسترونغ “
أول إنسان ورائد فضاء في التاريخ يهبط ويمشي للمرة الأولى على سطح القمر (مع رائد الفضاء الثاني باز آلدرين) ، بتاريخ ١٩٦٩ ، في سابقة تاريخية مذهلة ، وقد تمت الرحلة على متن المركبة الفضائية ” أبولو ١١ ” .
بيل غيتس
خريج جامعة هارفرد ؛ أنشأ شركة “ميكروسوفت” عام ١٩٧٥ مع بول آلن . يُعتبر من أغنى رجال العالم (بلغت ثروته ٥٠ بليون دولار أميركي) ، ومن أكثرهم كرمًا، إذ ينفق معظم أمواله على شؤون الصحة والتعليم للجميع ، في الولايات المتحدة وخارجها .
مارتن لوثر كينغ
من مواليد عام ١٩٢٩ ، ملهم حركة الحقوق المدنية السلمية في الستينيات ، للمطالبة بقيام ولايات متحدة خالية من أي عنصرية او تمييز . حاز جائزة نوبل للسلام وهو في الخامسة والثلاثين من العمر ، وإغتيل في “ممفيس- تينيسي” عام ١٩٦٨ وهو على شرفة الفندق الذي كان يقيم فيه .
نيلسون مانديلا
ناشط حقوقي بارز ضد التمييز والفصل العنصري في جنوب أفريقيا . سجن لمدة ٢٧ سنة من قبل الأقلية البيضاء الحاكمة ، ليعود ويصبح رئيسًا للبلاد ربيع عام ١٩٩٤ ، دون أن ينتقم من الذين أودعوه السجن وتمادوا طيلة عقود في ظلم الأغلبية السوداء .
ادسون دو ناشيمنتو “بيليه“
لاعب كرة القدم البرازيلي الأسطوري.
رجل الأعمال الفرنسي-اللبناني-البرازيلي كارلوس غصن
بالرغم من الإتهامات التي يواجهها في اليابان منذ شهر نوفمبر ٢٠١٨ ، فقد سجل له تاريخ السيارات نجاحه في إنقاذ شركة “نيسان” اليابانية ، وفي رفع مبيعاتها وشأنها الى مصافات عالية على الصعيد الدولي ، وفي الوصول إلى مركز الإدارة الأولى في شركة رينو .
رجال تميّزوا بأدوار غير تقليدية في مجال التمثيل
سيلفستر ستالون
أدّى دور ” رامبو “ ببراعة.
أرنولد شوارزنيغر
كان مميزًا في منافسات كمال الأجسام ، ولعب دورًا متسمًا بالقسوة والقوة المطلقة ، في سلسلة أفلام “ترمينيتور” المعروفة ، وأصبح حاكمًا لولاية كاليفورنيا من العام ٢٠٠٣ الى العام ٢٠١١ .
شين كونري
لعب دور العميل السري الشهير ” جيمس بوند ” في سلسلة أفلام شهدت رواجًا عالميًا .
كيرك الين و جورج وكريستوفر رييف
جسّدا دور “سوبرمان ” .
آدم وست وبيرت وارد ومايكل كيتون
جسّدوا شخصية ” بات مان ” .
وغيرهم الكثير الكثير ممن سنستعرض سير حياتهم وإنشطتهم او إنجازاتهم .
رجال مميّزون من عالم الخيال
تبلورت في العالم الخيالي ، صور رجال نسجتها شركات الإنتاج ، ونقلتها “ديزني” وشركات أخرى إلى شاشات السينما ، ومنها ” تان تان “ خليقة الكاتب البلجيكي الشهير “هيرجي” و “بينوكيو” ، وغيرهم …
ملاحظات
بالرغم من حرية الرأي والإختراع والإنتاج ، برزت ملاحظات من قبل الحريصين على التنشئة الصحيحة والتثقيف السليم ، حول وجوب عدم التركيز على الرجال والنساء، الذين لعبوا أدوارًا عنيفة في مسيرة حياتهم الشخصية الفعلية أو في الأفلام والمسلسلات مهما كان بريقها ، وضرورة تشجيع الأعمال البنّاءة والإيجابية بشكل حصري وتمجيدها ؛ ولا سيما نظرًا لسهولة وصول الصور والمعلومات الى غير البالغين ، الذين لا يستطيعون التمييز بين ما هو خيالي وترفيهي ووهمي ، وبين ما قد يبدو لهم ، بالرغم من سلبيته الموضوعية، كسلوك مثير للإعجاب ، يمكنهم الإقتداء به ، كما لو أنه نموذج نجاح وإقتدار .
يبقى أن الرجال الذين تميّزوا في المجالات التقليدية المألوفة ، وأولئك الذين تميّزوا في مجالات غير تقليدية وغير مألوفة ، ما برحوا يطبعون تاريخ المجتمعات وتطورها بشكل إستثنائي ولافت ، بصورة تطغى عليها الإيجابية وروح الإبداع .
إلاّ أن ديناميكية التاريخ وقوة الإختراع ، يمكن أن تتجاذبها على أرض الواقع ، تيارات تدفع إلى البناء والخير أو الى الهدم والشر ، كمثل إكتشاف الذرة بإيجابياتها وسلبياتها ، الذي عاد وأفضى الى إختراع القنبلة النووية وإستعمالها الكارثي في مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين ، ووضعت العالم للمرة الأولى في التاريخ تحت خطر أسلحة الدمار الشامل .
خلاصة
يتبيّن بالتالي ، من معيار المصلحة العامة ومن وحي الرأي الغالب ، أنه من المفترض ، أن تساهم أية مسيرة حياة يتميّز بها رجال موهوبون أو مبدعون ، أو أي إختراع أو إنتاج إنساني ، في تعزيز الخير العام والعدالة والقيم والثقافة والعلوم وكل أمر إيجابي ؛ وفي رفع التحديات الفعلية التي تواجهها الإنسانية على أكثر من صعيد .
مثل هذا النهج لا يحول دون حق الفرد في تحقيق الذات كما يرتأي في ميادين الحياة الواسعة ، أو دون حق المخرجين في إبتكار أشكال متنوّعة من أشكال الترفيه ؛ إذا ما إنضبط هذا الحق بمستلزمات الحرية المسؤولة، وبمنطلقات الفكر المستنير .
تمنياتنا بالنجاح والتفوق لكل قارىء وقارئة منخرطين في مسار البحث عن التميّز ، وتثقيف النفس وصقل الشخصية ، وبلورة ما هو جميل وملهم ، والجمع بين كل ما هو ممتع ومفيد .