ميوتشيا برادا وراف سايمونس معًا فـي زمن التحدّيات
فنون الموضة، جوهرها الإبداع والإبتكار والبحث عن أوجه الأناقة والجمال، وإن كانت تندرج كذلك وبطبيعة الحال، فـي عالم التسويق والتجارة.
ومن الأسئلة التي تطرح فـي هذا السياق، عما إذا كانت شركات تصميم الأزياء تتّبع بصورة غالبة ذوق وميول المستهلك، بما يتوافق مع ثقافته ونظرته للجمال، كي تتمكّن من جذبه وتوسيع مساحة إنتشارها، أم إذا كانت تسعى كذلك، إلى تسويق أشكال وأنماط جديدة مختلفة، مهما إبتعدت عن التقليد والعادات، وإقناع المستهلك بها بطريقة من الطرق الخلاقة، وهو المتشوّق عادة لكل جديد.
ولإضافة الإبتكار والتميّز فـي هذا العالم، تعاقدت علامة «برادا» المرموقة مع مصمّم الأزياء راف سايمونس مطلع شهر فبراير ٠٢٠٢. وهي مناسبة للإضاءة عليه، وعلى دار «برادا» بالذات، وعلى المصمّمة الرئيسية للدار ميوتشيا برادا، وبالتالي على جانب من جوانب الموضة وأبعادها وإبداعاتها؛ وذلك، بالرغم من التحدّيات الكبرى التي يطرحها تفشي وباء «كورونا» فـي الظروف الصعبة الحاضرة.
تأسّست برادا دار الأزياء الإيطالية المرموقة، من قبل ماريو برادا وشقيقه مارتينو عام ٣١٩١، كشركة متخصّصة حينها بالمنتجات الجلدية بإسم «فراتيللي برادا».
تطوّرت لتصبح مجموعة أزياء متخصّصة فـي إنتاج الملابس الجاهزة الراقية للنساء والرجال، والحقائب والأحذية العالية الجودة وأنواع الجلد المختلفة ومتمّمات الموضة كمستحضرات التجميل والمجوهرات والنظارات من إنتاج «لوكوستيكا» إعتبارًا من عام ٠٠٠٢، والعطور للنساء ثم للرجال إعتبارًا من عام ٤٠٠٢، والساعات لفترة محدودة عام ٦٠٠٢، وهواتف «إل. جي. برادا» المحمولة، بالتعاون مع إل. جي. إلكترونكس منذ ٧٠٠٢. وهي كمجموعة، تشمل شركات «برادا»، و«ميو ميو» و«تشورش» و«كار شو» و«ماركيزي».
يقع المقر الرئيسي للشركة فـي مدينة ميلانو، وهي متواجدة فـي مدن عديدة فـي ٠٧ دولة حول العالم، وتقدّم عروض أزياء ومعارض فـي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا وإسبانيا وتركيا واليابان وكوريا ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وقطر وأستراليا وغيرها.
فـي خطها العام تعتمد الأزياء الأنيقة المشغولة بعناية، وتحرص على النوعية والألوان الأساسية، ولا سيما اللون الأسود. تجمع بين الرومانسية والنعومة، وتمازج بين جمال موضة الخمسينيات الكلاسيكية والأزياء الحديثة.
ميوتشيا برادا
مصمّمة لامعة
وسيدة أعمال ناجحة
ميوتشيا برادا، كما باتت تدعى فـي الثمانينيات، هي واحدة من أبرز مصمّمات الأزياء العالميات وسيدات الأعمال الإيطاليات الناجحات. ولدت فـي ٠١ مايو ٩٤٩١ فـي مدينة ميلانو، وإسمها الأساسي ماريا بيانكي.
والدها لويجي بيانكي، ووالدتها لويزا برادا، إبنة ماريو برادا، مؤسس العلامة التجارية الشهيرة للأزياء «برادا».
حصلت بعد إكمال دراساتها على دكتورا فـي العلوم السياسية من جامعة ميلانو؛ ومن هواياتها جمع لوحات الرسم والفن الحديث. تعرّفت عام ٧٧٩١ على رجل الأعمال باتريتسيو بيرتيلي، وتعاونت معه فـي إدارة الشركة، وتطوّرت العلاقة بينهما على الصعيد الشخصي الى إرتباط بعقد زواج عام ٨٧٩١.
رزقا بولدين، كبيرهم هو سائق سباق السيارات لورنزو بيرتيلي، الذي تخلّى عن هذه الهواية وإلتحق بدوره ببرادا فـي سبتمبر ٧١٠٢، بصفة مسؤول عن التسويق والتواصل.
بالرغم من تخصّصها فـي العلوم السياسية، بادرت بعد تخرّجها من الجامعة الى تصميم أكسسوارات الأزياء، للمساهمة فـي نشاط العائلة التجاري، إعتبارًا من عام ٠٧٩١، وحلّت مكان والدتها على رأس إدارة الشركة عام ٨٧٩١.
قامت عام ٨٥٩١ بتصميم أول مجموعة لها من حقائب اليد الكلاسيكية السوداء الأنيقة، فلاقت رواجًا واسعًا، وتلازمت مذ ذاك مع صورة ماركة برادا، كما أطلقت تصاميمها للملابس النسائية الجاهزة عام ٩٨٩١، وللرجال عام ٥٩٩١. أطلقت عام ٢٩٩١ العلامة التجارية للملابس الجاهزة «ميو ميو»، نسبة إلى التسمية التحببية التي تعطى لها؛ وهي، على أناقتها، ملابس أكثر بساطة من تلك التي تصنعها الشركة الأم، وتتوجّه الى جيل الشباب، ولا سيما المشاهير من بينهم. وقد باتت تشغل منصب المدير التنفـيذي لمجموعة برادا، الى جانب زوجها وشريكها التجاري باتريتسيو بيرتيلي.
حصلت على جوائز وعلامات تكريم عديدة خلال مسيرتها منها: الدكتورا الفخرية من الأكاديمية الملكية للفنون فـي لندن عام ٠٠٠٢؛ جائزة أفضل مصمّم أجنبي من مجلس مصممي الأزياء الأميركيين عام ٤٠٠٢، وسام الفنون برتبة ضابط من وزارة الثقافة الفرنسية بناء لإقتراح الجمعية الفرنسية للفنون والآداب عام ٦٠٠٢، وسام الإستحقاق للجمهورية الإيطالية من الرتبة الأعلى عام ٠١٠٢؛ وجائزة أول مصمّم دولي لعام ٣١٠٢ من «بريتيش فاشيون آواردس».
راف سايمونس
تاريخ حافل فـي عالم الموضة والتصميم
إنضم راف سايمونس، فـي فبراير ٠٢٠٢ الى دار «برادا»، كمدير إبداعي شريك، نتيجة تفاهم بينه وبين ميوتشيا برادا وباتريتسيو بيرتيلي.
فمن هو ؟ وما هي أطر وآفاق تعاونه مع إحدى أبرز دور الأزياء فـي العالم؟
يتمتّع راف سايمونس بتاريخ حافل فـي عالم الموضة والتصميم. باشر مسيرته الفنية والمهنية بالعمل فـي تصميم أثاث المنازل والمكاتب فـي صالات عرض مختلفة. إبتعد عن إختصاصه الأساسي وتدرب على تصميم الأزياء فـي ستديو «وولتر فان بيرندونك» من ١٩٩١ الى ٣٩٩١، الذي إصطحبه فـي إحدى المناسبات لمشاهدة أول عرض أزياء فـي «باريس فاشيون ويك»، للمصمّم البلجيكي مارتن مارجييلا.
وقد صرّح حينها بأنه إنجذب لهذا العرض المتمحور حصرًا حول اللون الأبيض، وقرّر مذ ذاك الإنخراط والإستمرار فـي عالم الموضة والأزياء.
أنشأ بمفرده عام ٥٩٩١ علامته الخاصة للأزياء الرجالية «راف سايمونس»، التي كان ينشرها بواسطة الفـيديو لغاية ٦٩٩١؛ ثم شارك فـي أول عرض له فـي «إمباس دي مون لوي» فـي باريس، لمجموعة أزياء من تصميمه مطلع عام ٧٩٩١، على وقع الموسيقى الحديثة وروك «البانك». وأشرف على تدريس فنون التصميم عام ٠٠٠٢ فـي جامعة الفنون التطبيقية فـي ڤيينا لمدة خمس سنوات.
ثم تعرج فـي أنواع مختلفة من العروض غير الكلاسيكية الشبابية الطابع، وأصدر كتابًا عام ٥٠٠٢ مع بيتر دي بوتر، بعنوان «راف سايمونس ريداكس»، يلخص تجربته للسنوات العشر الماضية؛ وأطلق بهذه المناسبة علامة جديدة إسمها «راف باي راف سايمونس».
إعتبارًا من العام نفسه إختار التركيز على الشكل والصورة والألوان والأحجام والنسب، مع إهتمام خاص بفئة الشباب، وبالحاجة دومًا إلى التجديد، وتدرّج تعاونه مع دور الأزياء على الوجه التالي:
تعاقد عام ٥٠٠٢ كمدير إبداعي، مع علامة «جيل ساندرس» التي كانت تابعة حينها لمجموعة برادا. وكانت المناسبة الأولى له لتصميم ملابس نسائية ومتمّماتها، بموازاة تصميمه أزياء الموضة الرجالية. وأطلق مجموعة من التصاميم، من بينها «جيل ساندرس نايفـي»، وإستوحى بعض أزيائه من فن الرسام الإسباني الشهير «بابلو بيكاسو»، وترك أثرًا كبيرًا لدى المتابعين.
تعاون إعتبارًا من عام ٢٠٠٨، مع العلامة التي تحمل إسم لاعب التنيس البريطاني الراحل فراد بيري. ثم مع علامة النظارات البريطانية ليندا فارو، وإعتباراً من خريف ٩٠٠٢، مع مصنع الأحذية أيسكس، ثم تعاون عام ٢٠١٣ مع شركة أديداس للأحذية والسنيكرز بشكل خاص، وجعلها تزدان بألوان زاهية.
إنتقل بعد ذلك للعمل مع شركة «كريستيان ديور»، إعتبارًا من إبريل ٢١٠٢، حيث حل مكان البريطاني جون غاليانو، كمدير إبداعي للأزياء النسائية والأزياء الراقية، وتم إصدار فـيلم وثائقي عام ٥١٠٢ خلال «تريبيكا فـيلم فستيفال» بعنوان «أنا وديور»، تحدث عن مساهماته الإبداعية فـي الشركة. إلا أنه قدم إستقالته من «ديور» بتاريخ ٢٢ أكتوبر ٥١٠٢، بسبب عدم التوافق مع الشركة بموضوع تجديد العقد، ورغبة منه كما قال، فـي التركيز على علامته وتنويع إهتماماته خارج العمل، بالرغم مما شكلته هذه الإستقالة حينها من صدمة فـي عالم الموضة.
عاد ووافق فـي أغسطس ٦١٠٢، على الإنتقال من باريس الى الولايات المتحدة، لتولي منصب مدير إبداعي رئيسي لعلامة «كالڤن كلاين»، كما أعلن عن ذلك رئيسها التنفـيذي «ستيف شيفمان».
فتسنّى له صياغة مجمل إستراتيجية الشركة بصورة مبتكرة، بما فـي ذلك فـي مجال الثياب الداخلية والجينز والتسويق والتواصل؛ وحققت أول مجموعة تم إنتاجها تحت إشرافه، وعرضت فـي أسبوع الموضة فـي نيويورك لخريف ٧١٠٢، نجاحًا كبيرًا. وحصل على جائزة مميزة على مجموعتيه للنساء والرجال على السواء. إلا أنه إفترق عن كلاين فـي ديسمبر ٨١٠٢، كما ورد فـي بيان صادر عن الطرفـين، ما أحدث ضجة فـي عالم الموضة، وذلك بعد أن إتخذت الشركة إتجاهًا جديدًا يتعارض مع رؤيته؛ فركّز إهتمامه من جديد لفترة من الزمن على علامته الخاصة.
إنضمامه إلى برادا
بتاريخ ٣٢ فبراير، أي قبل إستفحال وباء كورونا بأيام قليلة فـي إيطاليا، أعلنت دار برادا خلال مؤتمر صحفـي نظّتمه على عجل فـي مدينة ميلانو، عن إنضمامه إليها كمدير إبداعي ومصمم شريك، الى جانب «ميوتشا برادا» نفسها، وذلك إعتبارًا من ٢ إبريل ٠٢٠٢. وتمّ الإتفاق على أن يترجم هذا التعاون، بتقديم أول مجموعة مشتركة لهما فـي سبتمبر ٠٢٠٢، كي يتمّ عرضها ربيع وصيف ١٢٠٢. أي أن سايمونس سيتقاسم مسؤولية التصميم الإبداعي على الصعيد العملي وعملية أخذ القرار فـي هذا المجال، مع ميوتشيا برادا، المصمّمة الرئيسية للدار، والإهتمام معها بمجموعات الأزياء النسائية والرجالية على السواء.
وستكون هذه الشراكة كما أعلن، «الخطوة الأولى لمواكبة العصر الحديث، والوصول الى نطاقات أوسع من التفاعل، ومنصة لمختلف وجهات النظر والأفكار الإبداعية الجديدة».
أعرب عن سعادته بهذه الشراكة وبهذا التحدّي، وأشار الى أن مسألة التسويق وحجم المبيعات على الصعيد التجاري مسألة هامة، إلاّ أن الأهم بالنسبة إليه ولميوتشيا، على ما يعتقد، أنهما يتلمسان معًا الحاجة للتشارك فـي الحوار كمصمّمين إبداعيين يهدفان أساسًا لخلق المشاعر والأحاسيس.
وإذ وافقته على ذلك، أكدت من جهتها أن ما يجمعها مع سايمونس هو إحترام متبادل والكثير من القواسم المشتركة، ما يجعلها سعيدة بالتعاون المقبل بينهما. أما زوجها والرئيس التنفـيذي للشركة «باتريتسيو بيرتيلي» فأشار الى أن علاقة مهنية وإنسانية تربطه بسايمونس الذي يعرفه منذ عام ٥٠٠٢، عندما كان يعمل حينها مع علامة «جيل ساندرس» التابعة لبرادا؛ لافتًا بإعجاب، الى أنها المرة الأولى فـي تاريخ عالم الأزياء، التي يلتقي فـيها مصمّمان شهيران، ويلتزمان معًا فـي شراكة عمل وتعاون مشترك. تجدر الإشارة إلى أن العقد بينهما مفتوح ومن دون أجل، كما أشارت ميوتشيا بنفسها الى ذلك.
جوائز
فاز بجائزة «سويس تيكستايلس آوارد» عام ٣٠٠٢؛ جائزة «مجلس مصممي الأزياء» فـي أميركا، «سي. فـي. دي. آي فاشيون آوارد» لعام ٧١٠٢، كمصمّم أزياء للنساء والرجال على السواء؛ علمًا بأن الكثير من الفنانين والموسيقيين يميلون للتعامل معه واختيار مجموعاته، مثل «ريهانا» و«جينيفر لورنس»، والعديد من مغني الراب مثل «آساب روكي»، حيث أصدر له أغنية حملت إسمه «راف».
كما إعتبرته مجلة «فوغ» عام ٨١٠٢، «أحد أكثر مصممي الأزياء تأثيرًا خلال العقدين الماضيين».
تداعيات فـيروس كورونا
من الواضخ ومع الأسف أن فـيروس «كورونا» بات يشكّل خطرًا عالميًا على الصعيد الصحي، وبأنه أثر سلبًا على العديد من الأنشطة فـي دول عديدة على مختلف الصعد، ولا سيما الفنية منها، فأدى مثلاً الى تأجيلها، مثل «مهرجان البحر الأحمر الدولي للسينما» فـي المملكة العربية السعودية، مهرجان «كان» السينمائي، «أسبوع شنغهاي للأزياء»، أو أرغم بعض الممثلين على إتخاذ إحتياطات خاصة خلال أداء عملهم، من فحص مسبق الى تعقيم أو عدم التماس، أو تغيير أمكنة التصوير.
لذا فقد أعلنت «دار برادا» عن تأجيل عرضها الخاص بالرحلات الذي كان من المفترض أن يقام فـي اليابان فـي الحادي والعشرين من مايو بسبب إنتشار الوباء.
كما أن حجم الكارثة فـي بعض الدول، أرغم الحكومة الإيطالية على إغلاق وعزل شمالي البلاد.
وهكذا، فإن تزامن بدء إنتشار وباء كورونا فـي إيطاليا إعتبارًا من ١٢ فبراير مع أسبوع الموضة فـي مدينة ميلان، الذي كان مقرراً بين ٨١ و ٤٢ مارس، أربك المنظّمين والمشاركين المفترضين ومجمل مواطني شمال إيطاليا الذين باتوا فـي حالة عزل وحجر، إعتبارًا من الأول من مارس ٠٢٠٢.
لذا، فإن هذه التدابير الإحترازية المقيدة وعدم وضوح الفترة الزمنية التي ستستمر عليه، تجعل من جميع المشاريع المستقبلية وجميع الأنشطة، بما فـيها تلك الخاصة بدور الأزياء، قابلة للتأجيل أو لإعادة التقويم، وفقًا للتطوّرات خلال الأشهر المقبلة؛ وإن كانت الأنشطة المتعلّقة بفترتي خريف ٠٢٠٢ وربيع ١٢٠٢ بالنسبة إلى برادا ما زالت قائمة فـي المبدأ.
هذا و قامت «ميوتشيا برادا» منتصف مارس ٠٢٠٢، بمعية زوجها وشريكها «باتريتسيو بيرتيلي»، بمنح ست وحدات عناية فائقة لثلاثة مستشفـيات فـي مدينة ميلانو، منهم وحدة خاصة لمستشفى الأطفال.
وفـي الختام، تبقى الدعوة ومعها الأمل، بأن يتمكّن العلماء، بعون الله، من إيجاد الدواء أو اللقاح الشافـي لهذه الآفة العالمية فـي أقرب الآجال، وهي التي فاجأت الجميع بحجمها ومدى إنتشارها وصعوبة السيطرة عليها.