من أفغانستان. . . الى باريس سان جيرمان
ناديا نديم
قصة تستحقّ أن تُروى
من المجحف اختصار ناديا نديم بكونها لاعبة كرة قدم محترفة فـي صفوف باريس سان جيرمان، أو حتى بكونها مهاجرة أفغانية تدرس الطبّ، فناديا نديم هي مناضلة قبل أي شيء آخر، تنطلق متسلّحة بقيم صلبة جمعتها من تجاربها القاسية وتتوجه بصرامة نحو أهدافها. . وليس أحلامها. وقد نجحت وهي فـي عمر الـ 33 بإتقان 11 لغة، وتحقيق العديد من الأحلام الصعبة.
تخطت الأفغانية ناديا نديم عقبات يرى الكثيرون أنه لا يمكن التغلب عليها، فقد فرت من أفغانستان، عام 2000، عقب اغيتال والدها وسافرت مع أمها وإخوتها الى دول عدّة قبل نيل اللجوء فـي الدنمارك لتصبح اليوم لاعبة كرة قدم فـي فريق باريس سان جيرمان الفرنسي وسفـيرة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) وطالبة للطب.
تجارب قاسية
ولدت ناديا نديم فـي هرات غربي أفغانستان فـي 2 يناير 1988 لأب جنرال فـي الجيش الأفغاني، «لم يكن يعرف كيف يفصل بين دورين»، كما تصفه «فـي بعض الأحيان كان يتصرف كجنرال مع أطفاله، ومن الواضح أن الأمر كان صعبًا للغاية بالنسبة إلينا. لكنني أحبه ولديّ الكثير من الذكريات الجميلة معه أيضًا. لقد جعل مني المرأة القوية التي أنا عليها اليوم. لا شك أنه كان أحد الأسباب التي علمتني عدم الاستسلام. علاقتي به، هي بمثابة خلاصة لحياتي بكل تشابكها الإيجابي والسلبي أيضًا».
عندما استولت طالبان على السلطة فـي أواخر التسعينيات، قُبض على والدها ثم أُعدم…
هكذا فقدت ناديا، الثانية فـي أخواتها الخمسة، والدها عندما كان عمرها ثمانية أعوام فـي العام 1996.
وفـي عام 2000 أي عندما كانت ناديا فـي الحادية عشرة من عمرها قرّرت والدتها، الهرب من البلاد مع بناتها الخمس فتوجهن على متن حافلة صغيرة من كابول إلى باكستان ثم انتقلن بجوازات سفر مزيفة إلى إيطاليا. وكانت الخطة تقضي بالذهاب إلى لندن، للمكوث عند بعض الأقارب هناك. ولكن بعد الوصول إلى إيطاليا جرى وضعهن فـي شاحنة كان من المتوقّع أن تذهب بهم إلى لندن، وبعد رحلة استغرقت أياماً عدة، توقفت الحافلة، وجرى إخراج الركاب، لم تنته الرحلة فـي لندن كما توقّعوا، وبسؤال أحد المارة اتضح أن سائق الحافلة أنزلهم فـي إحدى المناطق الريفـية فـي الدنمارك.
وعن هذه التجربة تقول ناديا: «لا ينبغي أن يمر أي طفل بهذه التجربة، لكنها الحياة. فـي تلك اللحظة لم أكن أستطع عمل شيئ، لكنني الآن أشعر بسعادة لحصولي على فرصة ثانية وتجاوز هذه الأزمة بفضل قوتي الذهنية».
شغف بكرة القدم
بعد وصولها الى الدنمارك واستقرارها فـي مخيم للاجئين بدأ شغفها بكرة القدم بالظهور. ففـي أفغانستان كانت ناديا تلعب القليل من كرة القدم مع والدها ولكنها لم تتخيّل أنها تستطيع أن تكسب رزقها من هذه المهنة.
لذلك لفتها ملعب كرة القدم الذي يقع مباشرة بجانب مخيم اللاجئين وكانت المرة الأولى التي ترى فـيها فتيات يلعبن كرة القدم. بعد شهرين أو ثلاثة تشجّعت وطلبت الانضمام إلى الفريق فتغيّرت حياتها بالكامل.
وقد برزت ناديا عن باقي اللاعبات بأدائها الرائع وموهبتها وكذلك مواظبتها على التدريب. وبدأت منذ ذلك الحين تدريجيًا ودون توقف فـي تسجيل أهداف، والعمل من أجل الحصول على فرص تحسّن وضعها كمهاجرة.
وجدت فـي كرة القدم متنفسًا للعديد من التجارب الصعبة التي وضعتها الحياة فـي طريقها. «ما جذبني إلى هذه الرياضة هو هذا الإحساس بالراحة الذي ينتابني على أرض الملعب حيث لم أكن أشعر بالسعادة إلا هناك».
سمحت لها كرة القدم بنسيان أوقاتها العصيبة، وببناء ثقتها بنفسها بالتزامن مع تسع أو عشر ساعات تدريب فـي الأسبوع.
فـي عالم الاحتراف
بدأت مسيرتها الاحترافـية فـي الأندية الدنماركية إذ وقّعت أول عقد احترافـي مع نادي إسكوف باكن فـي عام 2006، قبل أن تنتقل إلى فورتشونا هورينغ فـي 2012، الذي أتاح لها المشاركة لأول مرة فـي بطولة دوري أبطال أوروبا فـي سبتمبر من العام نفسه، وقد سجلت هدفـين وحققت الفوز على بطل اسكتلندا غلاسكو سيتي.
بعدها انتقلت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتشارك ضمن صفوف نادي سكاي بلو فـي منافسات الدوري الوطني قرب نهاية موسم 2014، حيث لعبت فـي ست مباريات وسجلت سبع أهداف وصنعت ثلاثة. واختيرت كلاعبة الأسبوع فـي 19 أغسطس، ولاعبة الشهر فـي نهاية أغسطس. ما جعل نادي سكاي بلو يعلن تجديد عقد ها لموسم كامل، فـي 16 فبراير 2015.
بعد ذلك انضمّت إلى نادي بورتلاند ثورنز فـي 14 يناير 2016، وسجلت مع الفريق تسع أهداف لتحتل صدارة هدّافـي الفريق الأول ذلك الموسم، وساهمت مع الفريق فـي انتزاع درع الدوري الوطني فـي موسم 2016. وفـي الموسم التالي، ساعدت الفريق فـي الوصول إلى المركز الثاني والفوز ببطولة الكأس.
وفـي العام 2017 وقّعت مع نادي مانشستر سيتي للعب فـي صفوف فريق السيدات فـي الدوري الإنكليزي الممتاز وفـي مباراتها الأولى وبعد ست دقائق على أرضية الملعب، أحرزت هدفها الأول للفريق، وبعد مرور 26 دقيقة، صنعت هدف مانشستر سيتي الثاني فـي المباراة.
وفـي عام 2019 وقّعت مع باريس سان جيرمان ولعبت فـي صفوفه على مدى موسمين قبل الإعلان عن انتهاء العقد أخيراً وانضمامها الى فريق راسينج لويسفـيل.
مع المنتخب الدنماركي
كذلك لعبت نديم مع المنتخب الدنماركي وخاضت فـي عام 2009 عندما كانت تبلغ من العمر 21 عاما، أول مباراة معه ودخل اسمها تاريخ البلاد لكونها أول لاعبة كرة قدم تمثّل الدنمارك بعد الحصول على المواطنة. وخاضت منذ ذلك الحين 93 مباراة مع منتخبها وسجلت 33 هدفًا.
حذاء يختصر المسيرة
لم يجعلها تمثيل البلد الذي تبناها، تنسى أصولها حيث يبرز على حذائها دائماً علما الدنمارك وأفغانستان.
وتقول: «أمزج بين ثقافتين وبلدين. احمل البلدين فـي قلبي. لست أفغانية بنسبة 100 فـي المئة أو دنماركية بنسبة 100فـي المئة». استغرق أمر إيجاد التوازن بين جنسيَتَيها الأفغانية والدانماركية وقتا طويلا: «لدي هويتان فـي داخلي، وكان من أصعب الأشياء التي فعلتها فـي حياتي هو إيجاد التوازن الصحيح بين الاثنتين. أحيانًا يكون الأمر بمثابة مواجهة بين ثقافتين وأنا فـي المنتصف. لا أعرف حقًا كيف حقّقت هذا الخليط».
والى جانب العلمين كُتب على حذائها عبارة«Vini, vidi, vinci» الشهيرة التي تنسب إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر وهي تعني أنه فـي أي مكان أذهب لا يهمني المحيط حولي، سأتغلب عليه».
لا تلعب مقابل المال
فـي عام 2016، أصدرت محطة التلفزيون الدنماركية فـيلمًا وثائقيًا طويلًا مكوّنًا من أربع حلقات عنها، تبعها من الدنمارك إلى الولايات المتحدة.
فـي عام 2018، نشر الناشر الدنماركي JP / Politiken سيرة ذاتية لناديا نديم بعنوان Min Historie والتي تُترجم إلى «قصتي». تمّ ترشيح الكتاب لجائزة الكتاب الرياضي للعام. وقد صدر الكتاب باللغة الفرنسية فـي 26 مايو 2021، من خلال الناشر الفرنسي Hachette Book Group. اشتهرت ناديا بأنها واحدة من أفضل اللاعبين أجراً فـي لعبة السيدات، لكنها رفضت فـي مناسبات عدّة عروضاً كانت ستجعلها أفضل لاعبة مدفوعة الأجر على الإطلاق، قائلة إنها لا تلعب مقابل المال وستكسب أموالاً أكثر من كافـية فـي مهنتها المستقبلية كطبيبة.
أهداف وليس أحلام
يمتد طموح ناديا إلى أبعد من مباريات كرة القدم، إذ إنها قطعت شوطاً فـي دراسة الطب للحصول على درجة علمية من جامعة آرهوس فـي الدنمارك، وتخطّط للعمل فـي مجال الجراحة التجميلية.
اليوم لم تعد ناديا نديم تتحدّث عن الأحلام بل عن الأهداف. ترغب الشابة الثلاثينية فـي مواصلة دراسة الطب مع الحفاظ على قدم فـي عالم المستديرة التي أنقذتها بشكل ما وهي تطمح بتطوير هذه الرياضة ورفعها الى مستوى جديد.
سفـيرة اليونيسكو
فـي عام 2019 اختارتها منظمة اليونيسكو لتكون «بطلة اليونسكو لتعليم الفتيات والنساء». وأصبحت قصتها غير المسبوقة مصدر إلهام للعديد من الفتيات.
أول لاعبة دنماركية تمثّل نايكي
فـي عام 2017 وقعت ناديا عقد تمثيل مع نايكي ما يجعلها أول لاعبة كرة قدم دنماركية على الإطلاق تمثّل هذه العلامة وقد استخدمت نايكي ناديا فـي العديد من فروعها بالإضافة إلى العمل فـي قسم كرة القدم.
إلى جانب عملها مع نايكي، تشتهر ناديا أيضًا بتمثيلها علامة هيوغو بوس.