هل من حياة على المريخ؟
لا زال العلماء يعلّقون الكثير من الآمال فـي العثور على حياة أو إمكانية حياة على كوكب المريخ. وفـي هذا المجال تعمل بعثة «إكزومارس» الفضائية على تطوير مركبة من المقرّر أن تنطلق فـي العام 2020 لاكتشاف الأسرار التي يكتنزها الكوكب الأحمر.
غير أن تطوير مركبة معدّة للسير على كوكب آخر واكتشاف ماهيته ومكوناته، ينطوي على تحدّيات كبيرة ومعقدة كشفتها «يورونيوز» فـي تقرير للصحافـي جيرمي ويلكس الذي زار مقر شركة «إيرباص» فـي ستيفنيج قرب لندن، حيث تمّ إنشاء سطح اصطناعي يشبه إلى حدّ بعيد سطح المريخ. والتقى مهندسون يعملون فـي بعثة «إكزومارس» الفضائية والتي هي ثمرة تعاون أوروبي-روسي مشترك، من أجل الوصول إلى الكوكب الأحمر والبحث عن الحياة فـيه.
بات نموذج تصميم مركبة «إكزومارس» جاهزاً ومتخطياً لكل المشاكل النظرية التي من المتوقع أن تواجهه أثناء التجوال على سطح المريخ. ويتمتع هذا النموذج الذي أطلق عليه اسم «برونو» والذي أنجزه المهندسون فـي شركة إيرباص، بست عجلات وهو يسير بسرعة سنتمترين فـي الثانية.
ويقول بول ميتشام، مهندس فـي نظام القيادة من إيرباص: «برونو يشبه ما ستكون عليه مركبة إكزومارس النهائية. مجهز بأجهزة استشعار ومشغلات ليقود نفسه بنفسه. لديه كاميراتان فـي الجزء الأعلى من الصاري، تسمحان له برؤية ثلاثية الأبعاد، ويستطيع التعرّف على الصخور والمنحدرات ليحسب إن كان بإمكانه تجاوزها».
ممنوع نقل المواد العضوية إلى المريخ!
سيكون بإمكان هذه المركبة أن تحفر بعمق مترين لجمع عينات تحتفظ بها فـي مخبرها الخاص. ويشرح ميتشام أن تصميم عجلات هذه المركبة مثّل تحد كبير ويقول: «العجلات جزءٌ هام جدًا من نظام التنقل. لكن استخدام المطاط محظور لأنه مادة عضوية، فعندما نبحث عن الحياة على سطح المريخ، يجب ألا نعثر على موادّ عضوية أحضرناها بأنفسنا من كوكب الأرض. لذا يتحتّم علينا تطوير عجلات معدنية تتمتع بالمرونة، كهذه العجلات».
«وهنا يجب التنبّه الى عدم ثلوث المركبة بأية جراثيم تنقلها معها، لذا يتِم بناء نموذج المركبة فـي غرفة نظيفة فـي منطقة ستيفـينج قرب العاصمة البريطانية لندن. وهنا يجري تعقيم كل قطعة ترسلها المختبرات العلمية من كافة أرجاء أوروبا، ثم يجري تجميعها لتشكيل المركبة الفضائية المنشودة.
وعدم نقل أي عينات عضوية من الأرض إلى المريخ ضرورة أكثرُ من ملحة، لذلك لا بد من مراقبة دقيقة لا يشوبها الشك للتأكّد من أن المركبة معقمة بشكل كامل.
وتقول أبي هوتي، مديرة التوصيل فـي إكزومارس من شركة إيرباص: «توجد العديد من الصعوبات للحصول على أدوات نظيفة للغاية، وأن تكون المُعَّدات الأرضية أيضاً فـي غاية النظافة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المنشأة هنا. المهندسون يعملون على تطوير المركبة دون دخول الغرفة النظيفة. فلابد من توفـير جميع المعطيات».
معلومات أساسية للإنطلاق
من الصعب، بل من المستحيل العمل على تطوير مركبة لاكتشاف كوكب المريخ دون معرفة بعض المعلومات الأساسية للارتكاز عليها، مثل نوعية الهواء والتربة وشكل الكوكب، لذا كانت جهود مشتركة لوكالتي الفضاء الأوروبية والروسية بهدف إطلاق مركبة أولية باتجاه الكوكب الأحمر فـي العام 2016، عملت على تنشقّ غلاف الميثان الجوي وتصوير السطح بالتفصيل.
وبعد سلسلة من الاجتماعات، نظم آخرُها فـي مكتب التخطيط العلمي البلجيكي، اختار الفريق موقع هبوط بعثة إكزومارس الثانية. يريدون من المسبار استكشاف منطقة تسمى أوكسيا بلانوم، وهي بحيرة سابقة عند خط استواء المريخ.
وعن هذا الاختيار يقول هاكان سفـيدهيم، عالم من بعثة إكزومارس لتتبع الغاز المداري: «أوكسيا بلانوم أحد أكثر المناطق إثارة للتعرف عليها، مع العينات التي يمكن تحليلها من المواد السطحية وتحت السطحية. فضلاً عن أنه مكان آمن للهبوط، يقع على منطقة منخفضة بحيث يمكن للمركبة أن تتنقل فـي مجال واسع ويكون لديها ما يكفـي من الوقت لاختيار التوقيت الأنسب».
وقد أظهرت بعثة إكزومارس الأولية لتتبع الغاز المداري، أن المريخ أكثرُ تنوعًا وحركةً مما كان متوقعًا، وقد بدا هذا جلياً من خلال الصور التي التقطتها الكاميرا السويسرية CaSSIS التي قطعت الرحلة. وقد اكتشف علماء وكالة الفضاء الأوروبية وجود جليد مائي فـي الكثير من الأماكن أسفل السطح مباشرة.
ويشرح سفـيدهيم: «يوجد الماء فـي المريخ تحت الأرض. لم نعثر على أي بحيرات مفتوحة. فضلاً عن أن الماء موجود بصورة مجمّدة. فغالبًا ما ينظر إلى الماء بصورته السائلة وكأنه شرط مسبق للحياة. هذا لا يعني أبدًا أن الحياة موجودة، بل هو أحد العوامل التي يحتاجها نشوء الحياة».
منصّة الهبوط
يتولى العلماء الروس فـي هذه البعثة تطوير منصّة الهبوط التي ستحمل مركبة أكزومارس. وستكون هذه المنصّة مزوّدة بأدوات لقياس الغلاف الجوي للمريخ وحساب وقت كل مرحلة.
ويقول دانييل روديونوف، عالم من مشروع إكزومارس، معهد أبحاث الفضاء الروسي: «لا شك فـي أن عملية الإطلاق فـي الـ2020 ستكون طموحة للغاية، بالنظر إلى المُعَّدات العلمية. فالمُعَّدات العلمية المرتبطة بمنصة الهبوط حرجة للغاية لأنه قد بدأ إعدادها بعد وقت طويل من تصميم مُعَّدات المركبة».
من دون أدنى شك تتطوّر نظرتنا إلى المريخ بشكل متسارع، فهل يؤمن العلماء حقاً بإمكانية وجود مؤشرات للحياة على ذلك الكوكب سواء فـي الماضي أم الحاضر؟!
عن هذا التساؤل يجيب روديونوف: «بالطبع آمل أن بعثة إكزومارس ستحصل على آثار للحياة على سطح المريخ. وبالطبع إنها المهمة المناطة بهذه البعثة، وقد تم تصميمها لهذا الغرض».
انجاز غير مسبوق. . .
بتفاؤل كبير تخبر أبي هوتي، مديرة التوصيل فـي إكزومارس من شركة إيرباص: «لدينا أفضل المُعَّدات على متن المركبة من أجل الكشف عن الحياة. الأهم هو الحفارة التي ستدخل فـي العمق، حيث نعتقد أنه من الممكن أن توجد حياة، ويمكن التعرف عليها، وهذا شيء لم يفعله أحد من قبل».!
سيكون بإمكان مركبة أكزومارس أن تنتقل لمسافة أربعة كيلومترات، وأن تحفُر ست مرات على الأقل، بعمق مترين تحت سطح الكوكب.
لكن كيف ستبدو الحياة إن تمّ العثور عليها؟
يشرح بول ميتشام، مهندس فـي نظام القيادة من إيرباص: «لا أظن أننا سنجد رجالاً خضر صغارًا. ربما سنجد بكتيريا، فقد سبق وأن عثرنا على ذلك فـي أكثر الأماكن القاحلة على كوكب الأرض. إنها أكثر أشكال الحياة قسوة، بحسب معرفتنا. ومن المرجّح أن نعثر على هذا تحت سطح المريخ».