جوليا دوكورنو أول إمرأة تحمل السعفة الذهبية وحدها
شكّلت المخرجة وكاتبة السيناريو الفرنسية جوليا دوكورنو، أبرز مفاجآت مهرجان «كان» هذا العام، فعلى الرغم من كونها لم تتجاوز الـ38 من عمرها وعلى الرغم من أن خبرتها فـي إخراج الأفلام الطويلة تقتصر على فـيلم واحد صدر فـي العام 2016، إلاّ أن جوليا دوكورنو التي صدمت جميع الحضور خلال عرض فـيلمها فـي «كان» فازت بالسعفة الذهبية لتصبح بذلك ثاني إمرأة تحصل على هذه الجائزة وأول امرأة تفوز بها بمفردها.
تخرّجت دوكورنو من La Fémis فـي عام 2008، ولفتت إنتباه الصحافة مع إخراج أول فـيلم روائي طويل لها، Grave en Belgique7 فـي عام 2015، وعُرض فـي مهرجان «كان» السينمائي فـي مايو 2016، قبل أن يعرض فـي صالات السينما الفرنسية فـي مارس 2017، حيث تمّ تمديد عرضه لعدة أشهر لينتهي فـي نوفمبر بإجمالي 149,239 مشاهدة. وإضافة الى ترشحه لـ «كان» نجح فـيلمها الأول فـي الحصول على العديد من الجوائز الأوروبية والعالمية، أهمها الجائزة الكبرى للدورة الرابعة والعشرين لمهرجان جيرارمر الدولي للأفلام.
ويبدو أن دوكورنو تعلّمت الكثير من تجربتها الأولى، إذ إن تجربتها السينمائية الثانية فـي إخراج الأفلام الروائية الطويلة قادتها الى السعفة الذهبية هذا العام، علماً أن المنافسة كانت شديدة مع وجود 24 فـيلماً فـي المسابقة الرئيسة.
فـيلم اتيتانب: جنون جامح لمعالجة الجراح النفسية
يقدّم فـيلم «تيتان» مزيجاً غريباً للغاية من العنف والجموح والضعف البشري والاحتياج الإنساني، وهو يترك فـي داخل المشاهد رغبة ملّحة فـي أن يداوي الجراح النفسية لبطلته، رغم ما تسفكه من دماء.
يبدأ الفـيلم وبطلته ألكسيا الطفلة الصغيرة، وهي جالسة على المقعد الخلفـي فـي سيارة أبيها، الذي يقود السيارة ويستمع إلى الموسيقى، دون أن يعيرها أي اهتمام، تحاول لفت انتباهه دون جدوى، لكنه يواصل العبوس وتجاهلها. تواصل الصغيرة محاولاتها فـي جذب انتباه والدها، فـيثور غضبه ويحاول أن يوبخها، وينظر إلى الوراء لتعنيفها، فيفقد سيطرته على السيارة. ثم نرى ألكسيا فـي المشفى بعد أن تهشمت جمجمتها فـي الحادث، ما تطلّب تركيب شرائح تيتانيوم لترميم رأسها المهشّم. ثم ينقلنا الفـيلم إلى الحاضر، حيث أصبحت ألكسيا شابة وعارضة وراقصة، وتلعب دورها أغاثا روسيل، فـي أداء مميز يجمع بين الصرامة والعنف البالغ والضعف الشديد والرهافة النفسية، التي تبعث على التعاطف. ترقص ألكسيا بحسية كبيرة، لكنها رغم شعرها الطويل تبقي جانب رأسها حليقًا لتظهر للجميع موضع شريحة التيتانيوم فـي جمجمتها، كما لو أنها قد تحوّلت بأكملها إلى هذا المعدن الشديد الصلابة. هي إمرأة سيرى من يحاول إيذاءها ذلك الجانب الصلب الحاد القاطع من شخصيتها.
لا تقتل ألكسيا بدافع الكراهية، لكن يبدو لنا أن لديها نزعة لا يمكن السيطرة عليها، أو كبحها، ربما هي التعبير عن افتقار نفسي لحنان أبوين أهملاها طويلاً، فتحوّلت إلى العنف، ربما خلل أصابها إثر تركيب شريحة التيتانيوم، وربما الأمر استمتاع بالعنف.
تبحث الشرطة عن مرتكب جرائم القتل تلك، وتقدم الشرطة رسمًا تشبيهيًا للجاني بناء على وصف شهود، وتكاد الصورة تتطابق مع وجهها. وهنا تجد ألكسيا منقذها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. فـي محطة قطار وفـي شاشات التلفزيون ترى ألكسيا إعلانًا عن طفل فُقد منذ عشرة أعوام يدعى أدريان، وتقدم الشرطة صورًا لما قد يكون عليه الآن بعد عشرة أعوام. تقص ألكسيا شعرها، وفـي مشهد بالغ العنف أجفلنا له، تتحوّل إلى صورة تكاد تطابق تخيل الشرطة للصبي الذي غاب منذ أعوام، والذي أصبح شابًا. هكذا تتحول ألكسيا إلى إدريان، الذين يتوق والده، فانسان، القائد فـي قوات المطافئ – يجسّد دوره الممثل القدير فانسان لاندون- إلى لقائه. يبدو لنا أن فقدان الإبن كاد أن يُجهز نفسيًا على الأب، رغم صرامته الخارجية. هو أب هش للغاية يحتاج أن يحنو على ابنه الذي يبحث عنه منذ أعوام، على النقيض التام من والدي ألكسيا.
وبينما تتحول ألكسيا بألم بالغ إلى أدريان، يتحول الإطفائي الصارم إلى أب حنون يتقبل ابنه، رغم صمته وجفافه العاطفـي. لكن ألكسيا، التي تحوّلت إلى أدريان، تخفـي حملها وتحاول التخلص منه لكنه يبقى وينمو جنينا فـي داخلها.
تتعامل دوكورنو مع كل التحوّلات والتناقضات بذكاء شديد وبانفتاح كبير، فألكسيا المرأة الصارمة، تختفـي فـي داخلها رغبة كبيرة فـي الوصول إلى الحب وإلى من يحنو عليها. وأدريان، ذلك الشاب الذي تحولت إليه، يبحث أيضًا عن حب الأب وعن العائلة التي تحتضنه وتتقبله. وألكسيا وأدريان يتعلمان بمرور الوقت حب هذا الجنين الذي ينمو فـي أحشاء ألكسيا والذي تخفـيه عن الأعين. وهذا الأب فانسان، لديه من الحب والتقبّل الكثير، فهو يحب أدريان ويعطيه الاهتمام الكامل عندما كان صبيًا، رغم شكله المرهف الذي يشي بميول مثلية يلاحظها رجال الإطفاء، ويتقبل ألكسيا ويحبها عندما يكتشف أنها فتاة تخفـي حملها. نشاهد فـي الفـيلم مشهد ولادة لا ينسى، مشهد ألم وحنان وخلاص وحب أب ومحبة أم لطفلها الذي أنكرته وحاولت التخلّص منه طويلاً.
تعشق الكتابة وتهوى القصص الدموية
ولدت جوليا دوكورنو فـي نوفمبر 1983 فـي باريس. والدتها، طبيبة أمراض نسائية، ووالدها طبيب أمراض جلدية، وكلاهما من هواة السينما.
أحبّت الكتابة منذ طفولتها حيث كانت تؤلف القصائد والقصص. ويعود اهتمامها بقصص الدماء إلى عمر السادسة عندما شاهدت سراً فـيلم Texas Chainsaw Massacre، كما أن قراءة الكتب الطبية لوالديها عزّز هذه النزعة داخلها، أما التأثير الحاسم لميولها إلى القصص الدموية، فـيعود إلى إكتشافها مجموعة قصص Histoires extraordinaires لإدغار آلان بو.
فـي عام 2004، تخرّجت بإجازة مزدوجة فـي الآداب الحديثة – الإنكليزية فـي جامعة السوربون – باريس الرابعة، إضافة الى تخصّص الحروف الحديثة من ليسيه هنري الرابع فـي باريس 1.
وفـي العام نفسه، إنضمت إلى قسم السيناريو فـي La Femis1 حيث أُتيحت لها الفرصة للمشاركة فـي ورشة عمل حول كتابة السيناريو فـي جامعة كولومبيا وتخرجت عام 2008.
مسيرة متميّزة
بدأت مسيرتها فـي عالم الإخراج بأفلام قصيرة بدأت فـي عام 2005 مع فـيلم Corps-Vivants ثم أخرجت فـي 2007 فـيلم Tout va bien أما فـيلمها القصير الأخير فكان فـي عام 2011 Junior وقد حازت عنه جائزة Petit Rail d’or فـي مهرجان «كان» السينمائي.
فـي عام 2012، دخلت عالم الإخراج التلفزيوني إذ شاركت مع فـيرجيل براملي فـي إخراج الفـيلم التلفزيوني Mange لصالح قناة كانال بلوس، والذي يركّز على فتاة تعاني من مرض الشراهة وتسعى إلى الإنتقام من إدارة جامعتها.
فـي نوفمبر 2015، أطلقت أول فـيلم روائي طويل لها Grave in Belgium7، الذي عُرض فـي مهرجان «كان» السينمائي فـي مايو 2016 قبل أن يتم إصداره فـي مارس 2017 فـي فرنسا، حيث تمّ عرضه لأشهر عدّة وقد نالت عنه الكثير من الجوائز والتنويهات، إن على الصعيد الفرنسي، الأوروبي أو حتى الدولي.
فـي مايو 2019، تم الكشف عن أنها عضوة فـي مجموعة 50/50 الجماعية التي تهدف إلى تعزيز المساواة بين المرأة والرجل والتنوّع الجنسي والطبقي والعرقي فـي السينما والقطاع السمعي البصري. فـي سبتمبر، كتبت وصوّرت فـيلمها الطويل الثاني Titane، مع الممثلين فنسنت ليندون وأغاثي روسيل والذي حازت عنه أخيراً سعفة «كان» الذهبية. لتصبح ثاني امرأة تحصل على هذه الجائزة، بعد 28 عامًا من جين كامبيون. وصرّح المخرج ورئيس لجنة التحكيم سبايك لي خلال حفل توزيع الجوائز: «لقد جذبني جنون جوليا دوكورنو. وحقيقة أنها امرأة لم تؤخذ فـي الاعتبار خلال المناقشات». وخلال كلمتها، شكرت المخرجة هيئة المحلفـين على «إدراكها للحاجة العميقة لعالم أكثر شمولاً وانسيابية ولإدخال الوحوش».
وخلال عام 2020، أخرجت دوكورنو حلقتان من المسلسل الأميركي Servant، من إنتاج M. Night Shyamalan، لصالح Apple TV.
هذا فـي مجال الإخراج، أما فـي مجال كتابة السيناريو فكانت بداياتها مع كتابة سيناريو الفـيلم القصير Pour Anna عام 2008 كما أنها كتبت السيناريو لفـيلميها الطويلين Grave وTitane هذا إضافة الى كتابتها لسيناريو Ni le ciel ni la terre لكليمان كوجيتور
وCompte tes blessures لمورغان سيمون وCorporate لنيكولاس سيلهول.
جوائز وتكريمات
- مهرجان كان السينمائي 2011: Petit Rail d’or لفـيلم جونيور (أسبوع النقاد)
- مهرجان كان السينمائي 2016: جائزة FIPRESCI (أسبوع النقاد) عن Grave
- مهرجان أوستن السينمائي 2016: أفضل مخرجة فـي قسم ميزات الموجة التالية عن Grave
- مهرجان Gant 2016: جائزة الاستكشاف لـ Grave
- مهرجان لندن السينمائي 2016: كأس ساذرلاند لفـيلم Grave
- مهرجان سيتجيس 2016: جائزة أفضل فـيلم روائي طويل، وجائزة أفضل مخرج شاب، وجائزة أفضل فـيلم أوروبي عن فـيلم Grave
- مهرجان ستراسبورغ للفـيلم الأوروبي 2016: جائزة أفضل فـيلم دولي عن فـيلم Grave
- مهرجان بالم سبرينغز 2017: جائزة المخرج لمتابعة فـيلم Grave
- جائزة Louis-Delluc 2017: أفضل فـيلم أول لـ Grave
- جائزة النقابة الفرنسية لنقاد السينما والتلفزيون 2018: أفضل فـيلم فرنسي أول عن فـيلم Grave
- Lumières de la presse internationale 2018: ترشيح لجائزة Lumière لأفضل فـيلم أول عن فـيلم Grave
- Magritte 2018: جائزة أفضل فـيلم أجنبي فـي الإنتاج المشترك لـ Grave
- مهرجان كان السينمائي 2021: السعفة الذهبية لـ Titane