مهرجان كان: ما يهمّنا معرفته عن تاريخ وفن وأناقة مسرح السينما العالمي
بينما تعقد حاليًا الدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي، قرّرنا الغوص قليلاً في البحث عن تاريخ هذا المهرجان العالمي الذي لم يعد مجرّد موعد سنوي ثابت لمحبّي السينما، وإنما مسرحًا للفنون والأناقة يجذب، الى جانب صنّاع السينما العالميين، أبرز وأنجح المصمّمين الذين يتبارون للفت أنظار نجوم ونجمات السينما العالمية لاختيار تصاميمهم للتألّق بها على السجادة الحمراء حيث يصطف الصحافيون العالميون لتصويرهنّ ونقل أخبار هذا المهرجان الاستثنائي. ولكن كيف نجح هذا المهرجان في أن يصبح ما هو عليه اليوم؟
تكثر المهرجانات السينمائية على مدار العام، من حفلات أوسكار، غولدن غلوب، بافتا، وحتى مهرجان كان السينمائي. وعلى الرغم من تفاوت أهمية هذه المهرجانات، فإن البعض يعتبر مهرجان كان ذورة العام سينمائيًا، بفضل تنوّعه الواضح، وحرص القائمين عليه على تمثيل مختلف دول العالم.
وبينما يتابع العالم بأكمله فعاليات الدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي، ما رأيكم في جولة على تاريخ هذا المهرجان وأبرز اللحظات التي رسمت نجاحه.
مهرجان كان: مسرح السينما العالمي
بدأت فكرة مهرجان كان السينمائي تتبلور عام 1932 عندما قرّر كل من وزير التعليم والفنون الفرنسيان جاي زين، وفيليب إرلانجر أن يقيما مهرجانًا للاحتفال بالتصوير السينمائي، وقد استمرّ التجهيز للمهرجان حتى عام 1939. وكان من المتوقع عرض أفلام مختلفة في المهرجان منها The Wizard of Oz وThe Black Diamond وThe Hunchback of Notre Dame إلا أن قلة الميزانية وبدء الحرب العالمية الثانية أعاقا المهرجان وتقرّر تأجيله. وقد بقيت الفكرة صامدة حتّى بعد مرور ستة أعوام وانتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أُعيد العمل على المهرجان، لتنطلق فعالياته بشكل رسمي عام 1946
ومع مرور السنوات، رسّخ المهرجان لنفسه اسمًا قويًا في عالم السينما، وعلى الرغم من ظهور الكثير من المهرجانات السينمائية الأخرى إلا أنها لم تنجح في ترك بصمتها، بينما حافظ مهرجان كان السينمائي على حضوره القوي وتميّزه الذي كان واضحًا من خلال قدرته على اختيار أفلام قوية، وجذب مشاهير ذوي بصمة للمشاركة في فعالياته. ومن أبرز ميزات مهرجان كان، قدرته على جمع حضور سينمائي كبير متنوّع، إذ لا يجتمع هذا الكم من السينمائيين من جميع أنحاء العالم في وقت واحد، كما يحصل في مدينة كان خلال المهرجان.
مع مرور الأعوام، بدأت تتوالى التحديثات على فعاليات المهرجان، إذ تم استحداث قسم “نصف شهر المخرجين” عام 1972 والذي كان سببًا في تطوير شكل المهرجان الذي نجح كذلك بمواكبة الموجات الفنية الجديدة، ودعمها.
كما يتميز المهرجان، بتنوع جوائزه من عام إلى آخر مع استقرار الجوائز الأصلية للمهرجان، وهي: السعفة الذهبية، الجائزة الكبرى، جائزة التحكيم، جائزة أفضل إخراج، جائزة أفضل إخراج، جائزة أفضل سيناريو، جائزة أفضل ممثل، جائزة أفضل ممثلة، جائزة أفضل فيلم قصير وجائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم قصير.
وتمر عملية فرز الأفلام المرشحة لهذه الجوائز عبر مرشحات فنية دقيقة، حيث يتزايد عدد الأفلام المقدمة للمهرجان سنويًّا عن ألفي فيلم بقليل. وتقوم لجان مشاهدة متخصصة بفرزها والوصول بها إلى اثنين وعشرين فيلماً متنافساً فقط، يشترط فيها أن تعرض في المهرجان عرضاً عالميًّا أولًا.
هكذا أصبح مهرجان كان السينمائي أحد المهرجانات السينمائية الأوروبية الثلاثة الكبرى، المعروفة باسم “الثلاثة الكبرى”، مع مهرجان البندقية السينمائي في إيطاليا ومهرجان برلين السينمائي الدولي في ألمانيا، بالإضافة إلى كونه أحد المهرجانات السينمائية الدولية الخمسة الكبرى، والتي تتكون من المهرجانات السينمائية الأوروبية الثلاثة الكبرى، بالإضافة إلى مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في كندا، ومهرجان صندانس السينمائي في الولايات المتحدة الأميركية.
طقوس السجادة الحمراء: أناقة استثنائية وقواعد صارمة
الى جانب الأفلام التي تتنافس على جوائز مهرجان كان، تتوجه أنظار العالم الى ما تحمله السجادة الحمراء لهذا المهرجان من إطلالات ساحرة لنجمات ونجوم الفن السابع الذين يلتزمون بقواعد اللباس المثيرة للجدل التي يفرضها منظّموا المهرجان والتي بنتيجتها تتحوّل السجادة الحمراء لهذا المهرجان من مكان لاستقبال الضيوف الى منصة لعرض أبرز ابتكارات مصممي الموضة العالميين الذين يحرصون على تزيين إطلالات أيقونات السينما.
وتفرض القواعد حضور عروض المهرجان، بفستان سهرة للسيدات وببدلة رسمية مع ربطة عنق للرجال. في حالة عدم وجود ذلك، يمكن ارتداء فستان كوكتيل، بدلة سروال داكنة، بلوزة أنيقة مع بنطلون أسود، فستان أسود، بدلة سوداء أو زرقاء داكنة مع ربطة عنق. كذلك تحدّد قواعد اللباس إنتعال أحذية أنيقة، مع أو بدون كعب. كما تطلب من الحاضرين تجنّب إحضار حقائب الظهر أو الحقائب الكبيرة.
يعود تاريخ قواعد اللباس هذه إلى سنة تأسيس المهرجان في عام 1946. ولكن حتى مع تغيّر الزمن، فإن بعض القواعد “غير المكتوبة” لم تتغيّر.
يُعتقد أن مهرجان كان السينمائي لديه قاعدة طويلة الأمد تتطلب من النساء انتعال الكعب العالي، إذ تم رفض العديد منهنّ لرفضهنّ القيام بذلك. في عام 2015، أفادت العديد من وسائل الإعلام أن مجموعة من النساء مُنعن من دخول العرض الأول لفيلم “كارول”، وهو فيلم رومانسي من بطولة كيت بلانشيت، لأن أحذيتهنّ لم تكن عالية بما فيه الكفاية.
وفي العام نفسه ، أكد آصف كاباديا، مخرج الفيلم الوثائقي لإيمي واينهاوس، على وسائل التواصل الاجتماعي، أن زوجته مُنعت أيضًا من دخول العرض الأول لفيلمه في مهرجان كان، لأنها لم تكن تنتعل الكعب العالي، على الرغم من أنه سُمح لها في النهاية بالدخول.
يبدو أن هذه القاعدة لا تزال سارية ففي عام 2019، تم إيقاف رئيسة التحرير السابقة لمجلة فارايتي، كلوديا إيلر لفترة وجيزة من قبل مسؤولي الأمن لعدم انتعالها الكعب العالي، كما زعمت في مقطع فيديو نُشر على تويتر.
كذلك تخضع بدلات الرجال لتدقيق صارم، ففي عام 1960، تم إبعاد الكاتب هنري ميللر عن السجادة الحمراء لرفضه ارتداء سترة العشاء.
صحيح أن قواعد اللباس هذه تضفي الكثير من السحر على السجادة الحمراء غير أنها تشكّل قيودًا غير مقبولة من قبل الكثير من النجوم الذين حاولوا كسرها على مرّ السنوات وأبرزهم:
جوليا روبرتس عام 2016، مشت على السجادة الحمراء لفيلم Money Monster مرتدية فستاناً مكشوف الكتفين من تصميم Armani Privé وقلادة من شوبارد مصنوعة من الزمرد، ولكنها تخلّت عن الحذاء إذ سارت على السجادة الحمراء حافية القدمين.
كريستين ستيوارت 2018، كذلك فعلت كريستين ستيوارت في مهرجان كان السينمائي عام 2018، أثناء قدومها لحضور العرض الأول لفيلم Blackkklansman للمخرج سبايك لي، حيث خلعت حذاءها ذا الكعب العالي وهو من تصميم كريستيان لوبوتان على السجادة الحمراء.
دي جي كيدي سمايل 2019 ، كذلك انتقد الموسيقار والراقص والشخصية التلفزيونية الفرنسية دي جي كيدي سمايل قواعد مدينة كان بشأن ارتداء الملابس السائلة بين الجنسين. وكاد أن يُمنع من حضور العرض الأول لفيلم Pain and Glory، في عام 2019 بعد أن ارتدى ثوبًا زهريًا.
جنيفر لورانس 2023، كذلك ظهرت جينيفر لورانس على السجادة الحمراء لمهرجان كان عام 2023 بفستان ديور رائع إلا أنها نسّقته مع صندل مفتوح ومن من دون كعب. إلا أنها قالت بعد ذلك أنها لم تكن تعرف أنها تخالف البروتوكول.
كريس هيمسوورث 2024، أما هذا العام فقد خرق كريس هيمسوورث قواعد اللباس، إذ لم يضع ربطة عنق على السجادة الحمراء في العرض الأول لفيلم Furiosa: A Mad Max Saga، وبذلك خرق قواعد اللباس ذات ربطة العنق السوداء الخاصة بالمهرجان.
مهرجان كان، ماذا عن مدّة الاحتفال؟
يمتدّ مهرجان كان السينمائي على مدى 12 يومًا أي على مدى حوالي أسبوعين من شهر مايو، تشهد خلالها منطقة كان الفرنسية الممتدة على طول الكوت دازور الساحر، حضور أبرز صنّاع ونجوم السينما الذين يأتون للمنافسة. ويتم عرض الأفلام المختارة للمسابقة الرسمية أمام لجنة تحكيم مكوّنة من أسماء مشهورة في عالم السينما لتمنح لجنة التحكيم جوائز في فئات مختلفة، بما في ذلك السعفة الذهبية، والجائزة الكبرى، وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة أفضل مخرج.
السعفة الذهبية: الشعار النهائي للإنجاز السينمائي
تعتبر جائزة السعفة الذهبية من أبرز جوائز مهرجان كان، فهي أعلى جائزة تُمنح لفيلم منافس. وقد تمّ منح السعفة الذهبية، الرمز الخالد لمهرجان كان، لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية لأكثر من 60 عامًا. وقد حصل عليها كل من فيليني، وكوبولا، وهانيكي، وكوروساوا، وآخرين.
وتعتبر السعفة الذهبية بمثابة تحفة فنية مجوهرة، تتمّ صناعتها يدوياً في ورش جنيف الخاصة بصانع المجوهرات الشهير شوبارد في سويسرا على يد ما لا يقل عن سبعة حرفيين، وتتطلب أكثر من 40 ساعة من العمل.
سيطرت الأفلام الأوروبية على جائزة السعفة الذهبية في فترة الخمسينيات والستينيات. ليتغيّر الوضع في السبعينيات، مع فوز الفيلم الأميركي الساخر Mash ، للمخرج روبرت ألتمان، بالسعفة الذهبية، ممهدًا لهوليوود مجالًا للمنافسة في المهرجان.
ونجح بعده المخرج مارتن سكورسيزي بالفوز بالسعفة الذهبية عام 1976، عن فيلمه الدرامي Taxi Driver رغم إثارة فيلمه جدلًا واسعًا بسبب ما تضمنه من مشاهد عنف، لدرجة أن سكورسيزي، غادر المهرجان قبل انتهائه ظنًا منه أنه لن يفوز، ليفاجأ بفوز الفيلم بينما هو في نيويورك.
وتوالت إنجازات السينما الأميركية، في كان بفوز فيلم Apocalypse Now ، للمخرج فرانسيس فورد كوبولا.
استمر الصراع الأوروبي الأميركي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بظهور مخرجين أميركيين كبار مثل كوينتن تارانيتو الذي فاز بالسعفة الذهبية عن فيلم Pulp Fiction ، وأوروبيين عظام مثل لارس فون ترير، وفوزه بالسعفة الذهبية أيضًا عن فيلم Dancer In The Dark.