مبادرة مستقبل الإستثمار «دافوس فـي الصحراء» مشاريع طموحة تحاكي الخيال

كما يهدف المؤتمر لمناقشة أبرز المواضيع الحياتية والمستقبلية المطروحة على البشرية، من خلال منصة تشجع على التواصل العالمي بين المستثمرين وقادة القطاعات الإقتصادية والمبتكرين والحكومات، وتسعى إلى تقديم تصور وإقتراحات حلول بشأنها، من خلال رؤية المملكة السعودية لعام ٢٠٣٠.
أي أن التحدّي بالنسبة للملكة هو جذب الاستثمارات على المدى البعيد فـي مشاريع لا تتعلّق بالضرورة بالموارد المرتبطة بالطاقة.
ويشارك فـي مثل هذا النقاش مجموعة كبيرة من المفكرين والعلماء والشخصيات الدولية المرموقة والمتخصصة يلتقون  فـي إطار فعاليات إقتصادية على مستوى عالمي أطلقت للمرة الاولى عام ٢٠١٧، وستقام سنويًا فـي مدينة الرياض تحت إدارة «صندوق الاستثمارات العامة» Public Investment Fund of Saudi Arabia (PIF) 
هذا وقد تحولت المبادرة عام ٢٠١٩ بأمر ملكي، الى مؤسسة أهلية دائمة، تعرف بإسم «مؤسسة مبادرة مستقبل الإستثمار»، لها شخصية معنوية، تتمتع بالإستقلال المالي والإداري ومقرها الرئيسي الرياض.

لماذا سُميت «دافوس فـي الصحراء»
أطلقت بعض وسائل الإعلام والعديد من المتابعين على المؤتمر السنوي الذي يُعقد فـي الرياض على قاعدة «مبادرة مستقبل الإستثمار»، تسمية «دافوس فـي الصحراء»، وذلك بسبب أهميتها وحجم المشاركة الدولية فـيها، نسبة الى «المنتدى الإقتصادي الدولي» الذي يعقد سنويًا فـي مدينة دافوس الجبلية السويسرية والذي يُعرف بـ«منتدى دافوس».
وتناقش خلال المؤتمرين، المواضيع والتحدّيات  نفسها التي تطرح على العالم مطلع القرن الحادي والعشرين ووسائل مواجهتها، من خلال تصور تنموي مشترك من قبل القطاعين العام والخاص، ويدعى اليهما أبرز القياديين السياسيين والإقتصاديين ورجال الأعمال والعلماء والمفكرين.
تجدر الاشارة فـي المقابل إلى  أن المسؤولين عن تنظيم «منتدى دافوس» إعترضوا على إقتباس إسم دافوس فـي أي لقاء لا يكون من تنظيمهم؛ إلا أن هذه مسألة لا يمكن ضبطها كليًاعلى الصعيد العملي، خاصة إذا ما كانت صادرة عن جهات إعلامية أو غير رسمية كما هي الحال بالنسبة لدافوس فـي الصحراء على سبيل المثال.
 
ما هي المواضيع التي تبحثها
 عملت المبادرة على توفـير منصة رفـيعة المستوى لحوار موضوعي بين ممثلي مجموعة من الدول المؤثرة، بشأن توجّهات الإستثمار العالمية الحالية على المدى البعيد فـي عدد من القطاعات الرئيسية، ومنها التصنيع والتعليم والخدمات والترفـيه وتكنولوجيا المعلومات والفضاء والمالية والأسهم الخاصة والنقل …
أما الهدف الأساسي من هذا الحوار فهو إستكشاف الفرص لتحقيق عائدات مستدامة طويلة المدى ذات أثر إيجابي ودائم.
 وفـي التفصيل برزت فـي نقاشات العام ٢٠١٧ العديد من القضايا ونقاط البحث من أبرزها، دور الإستثمار فـي تحفـيز فرص النمو، وتعزيز الإبتكار ومواجهة التحدّيات العالمية، وقضايا أخرى خاصة  فـي إقتصاد المستقبل وتطوّرات جوهرية تتعلّق بالذكاء الإصطناعي والتغيّر المناخي والتحول الرقمي والعملات المشفرة (cryptocurrencies).
وقد إغتنم سمو الامير محمد بن سلمان المناسبة للتأكيد على إنفتاح السعودية على العالم ووسطيتها وإعتدالها.
 فـي العام ٢٠١٨ تمّت دراسة الأسباب والحلول الممكنة لمواجهة التحدّيات والأزمات العالمية  على الصعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ومناقشة دورالإستثمار فـي تحفـيز فرص النمو وتعزيز الإبتكار…
وفـي العام ٢٠١٩ تمّت مناقشة مواضيع التحدّيات الرئيسية أمام الاستثمار فـي المستقبل ومفهومه، ومدى قدرته على الإسهام فـي دفع عجلة التنمية العامة، ومستقبل عالم الأعمال لجهة إستكشاف نماذج جديدة للإبتكار والإستثمار،  توفّر الموارد المالية وتدعم الإستدامة فـي الشؤون الحياتية، ولا سيما فـي مجالات المناخ والصحة والتنقل  والسفر والرياضة والتسوق. كما نوقشت مواضيع أخرى كتوجيه النمو المستقبلي فـي قطاع التنمية، وبلورة مجتمع متقدّم قائم على النماذج التعليمية الجديدة والتوعية الثقافـية التي تسهم فـي تشجيع أفضل الممارسات البشرية فـي عالم باتت تسيطر عليه الآلات.

وكذلك التنافسية فـي ظل الإقتصاد الجديد، وملف الذكاء الاصطناعي الذي يبدو كأنه بند ثابت على جدول الأعمال، ومجالات الإستثمار فـي التكنولوجيا والبنى التحتية، وإستكشاف الفضاء وقضايا البيئة والطاقة والرياضة والترفـيه التفاعلي والشمول المالي، وكيفـية تعزيز الترابط الأجتماعي فـي عالم متحرّك ومتحوّل بصورة سريعة ودائمة، مع التركيز على أهمية دور الشباب فـي العالم العربي وفـي السعودية على وجه

التحديد.

 

This slideshow requires JavaScript.

من شارك فـيها
 شارك فـي هذه الفعاليات فـي مختلف نسخها العديد من ممثلي الدول  والخبراء والرياديين من مختلف القارات والمجموعات الجغرافـية.
وشارك فـي النسخة الأولى التي إنعقدت ما بين ٢٤ و٢٦ أوكتوبر ٢٠١٧ فـي العاصمة السعودية، أكثر من ٢٥٠٠ شخصية تعمل فـي مجال الصناعة والتجارة والأعمال والإستثمار والحوكمة العامة ينتمون لأكثر من تسعين دولة.
وفـي نسختها الثانية التي إنعقدت ما بين ٢٣ و ٢٥ أكتوبر ٢٠١٨، بحضور ٨ رؤساء دول والعديد من الوزراء وأكثر من ١٢٠ متحدثًا يمثّلون أكثر من ١٤٠ مؤسسة مختلفة وآلاف المتخصّصين ورجال الأعمال، بالرغم من تدني نسبة المشاركة حينها، مقارنة بسنة الافتتاح.  شارك من الدول العربية نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس الوزراء الباكستاني وملك الأردن وولي عهد مملكة البحرين ورئيس الوزراء اللبناني…

أما نسختها الثالثة التي عُقدت بين ٢٩و٣١ أكتوبر ٢٠١٩، بعنوان «ماذا بعد للإقتصاد الشامل»، فقد عرفت نجاحًا متجددًا، إذ شارك فـيها نحو ٣٠٠ من صناع القرار والإقتصاديين وكبار المستثمرين والخبراء الدوليين، والعديد من قادة الدول، مثل رئيس البرازيل ورئيس وزراء الهند، الذي أعرب عن دعمه لإستضافة المملكة لمجموعة ال G20 وترؤسها عام ٢٠٢٠، وملك الأردن والرئيس النيجيري، الى جانب عدد من الرؤساء الأفارقة، ووزيرا الخزانة والطاقة فـي الولايات المتحدة ومستشار البيت الأبيض صهر الرئيس ترامب «جاريد كوشنر»، ورئيس البنك الدولي، ورجال أعمال ورؤساء شركات عالمية كشركة «سوفت.بنك» اليابانية و«تاليس» الفرنسية  و«بلاك روك» و«بلاك ستون» و«بريدج ووتر أسوشيتس» وسامسونغ وهواوي و«غولدمان ساكس» و«جي.بي.مورغان تشيز»، والعديد من المصارف الغربية الأخرى على غرار «سيتي غروب» و«كريدي سويس»  و«سوسييتي جنرال» و«ب ن.ب باري با» و«إتش.إس.بي.سي»، ورؤساء الصناديق السيادية للكويت والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وروسيا وغيرهم …

ما هي مقرراتها
فـي اللقاء الأول عام ٢٠١٧ تم إنشاء صندوق الإستثمارات العامة، وإطلاق بعض المشاريع الإستثمارية كمشروع مدينة المستقبل «نيوم»، وهو مقترح لإنشاء منطقة إقتصادية مستقلة مساحتها ٢٦ ألف و٥٠٠ كلم٢ شمال غرب المملكة، تتواصل مع الأردن ومصر بشكل مجاور للبحر الأحمر وخليج العقبة ومسارات التجارة العالمية، وذلك وفقًا لأطر تنظيمية وقواعد قوانين إستثمارية مثلى وخدمات حكومية رقمية متكاملة وأنماط حياة أكثر إنفتاحًا، بميزانية قدرها فـي حدود الـ ٥٠٠ مليار دولار. بإمكان هذا المشروع العملاق تحفـيز الإستثمارات الخاصة والشراكات الحكومية فـي مجالات الطاقة المتجددة والمياه والزراعة الحديثة والرعاية الصحية والتقنيات الحيوية والروبوتية والعلوم التقنية والرقمية بأعلى المعايير، بما فـي ذلك فـي مجال النقل البري والجوي والصناعات المتقدمة، وإدراجها مستقبلاً  فـي الأسواق المالية عندما تكتمل عناصر مثل هذا الإدراج؛ وهي ستكون مملوكة لصندوق الإستثمارات العامة السعودي. ومن المفترض أن تجذب إستثمارات من شركات تعمل فـي قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحيوية والصناعات المتقدمة والترفـيه، علمًا بأن إسم «نيوم» مشتق من كلمة Neo بمعنى «جديد»، كما أشار الى ذلك سمو الأمير محمد بن سلمان، والحرف الأخير للكلمة الذي هو  «الميم»، هو أول حرف من كلمة «مستقبل» باللغة العربية.
واللافت بمناسبة إنعقاد لقاء دافوس الصحراء، تواجد روبوتات «صوفـيا» و«بيبر» لتسليط الضوء على أهمية المواضيع الخاصة بالذكاء الإصطناعي، وما ستقوم به مدينة «نيوم» من جهد لإحتضان صناعات مستقبلية فـي هذا المجال. وستقام مشاريع كبرى بمليارات الدولارات لبناء منتجعات تسلية وترفـيه رياضي وسياحي على طول شاطىء البحر الأحمر. كما تمّ التوقيع على عدد من الإتفاقيات ومذكرات التفاهم والشراكات مع مرجعيات عالمية كشركتي «بلاكستون» و«بلاك روك»،  وصندوق رؤية «سوفت بنك» حول خطة الطاقة الشمسية ٢٠٣٠.

وفـي العام ٢٠١٨، تمّ توقيع صفقات بأكثر من ٥٠ مليار دولار فـي قطاعات النفط والغاز والصناعة والبنى التحتية، ولا
سيما إنشاء مصهر للنحاس والزنك والرصاص فـي مدينة رأس الخير، وإتفاقًا مشتركًا لتشييد مجمع بتروكيميائيات متكامل مع شركة صينية فـي جازان، ومنطقة خاصة لأنشطة المصب ضمن المرحلة الثانية من مصفاة ساتورب المملوكة ملكية مشتركة بين أرامكو السعودية وتوتال الفرنسية، ومذكرة تفاهم مع شركة صينية لتنفـيذ مشروع الجسر البري الذي يربط سواحل السعودية الغربية بسواحلها الشرقية، وهو إستثمار بقيمة ١٠ مليارات دولار، وإتفاقية للبدء بالمرحلة الثانية من تطوير مشروع قطار الحرمين السريع، وعشرات الإتفاقات ومذكرات التفاهم لتنفـيذ مشاريع مختلفة فـي مجالات صناعة المطاط والطاقة الكهربائية والغاز، والصناعات التحويلية والمصافـي والخدمات البحرية، والحفر والأنابيب البلاستيكية الحرارية، وإنتاج مادة السيليكون، وتخزين الطاقة، وبناء جسر جديد بين السعودية والبحرين، وتنفـيذ مشروع البحر الأحمر السياحي السعودي، وإنشاء شبكة مطارات فـي مدينة «نيوم» أحدها سيكون مطاراً دولياً.

أما عام ٢٠١٩ فقد تمّ التوقيع على ٢٦ إتفاقية تزيد قيمتها الإجمالية على ٢٠ مليار دولار.
كما تجدر الإشارة الى أن شركة أرامكو العملاقة للنفط والغاز الطبيعي التي تملكها السعودية قررت طرح جزء، ولو بسيط من أسهمها للإكتتاب العام، وللتداول فـي السوق المالية المحلية، فـي حدود الخمسة بالمئة ربما؛ ما أثار أهتمامًا من مصارف وصناديق إستثمارية وجهات معنية غربية وشرقية على السواء، بما فـي ذلك من اليابان والصين والهند وروسيا.

 

كيفـية تنفـيذ هذه المقررات
تتماهى المقررات على ما يتبيّن، ولا سيما مشروع إنشاء منطقة «نيوم» الإستثنائي، مع دينامية ورؤية ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان. ومن الطبيعي أن تصدر بعض التساؤلات حول القدرة على الصعيد العملي على تحقيق جميع هذه الأهداف التنموية الطموحة التي تحاكي الخيال.
 والواقع أن تنفـيذ هذه الخطط والمشاريع قرار متخذ بكل ثقة وعزم من قبل القيادة السعودية الحريصة على بناء الحاضر وأسس التنمية المستقبلية الدائمة. أما التحدي فسيكون بشأن مدى السرعة فـي التنفـيذ والوصول الى مرحلة الإنجاز التام، وهذه مسألة سيتم الحرص بطبيعة الحال على متابعتها على مختلف المستويات.