مبادرة مستقبل الإستثمار
دافوس الصحراء
في إطار السعي لبلورة مشاريع الحلول لمواجهة تحدّيات العصر، وتعزيز فرص التنمية، وإستشراف المستقبل، تمضي المملكة العربية السعودية قدمًا في أخذ المبادرات، وتقديم الإقتراحات الهادفة والدافعة على الصعيدين الوطني والدولي.
يحصل ذلك في وقت يشهد فيه الإقتصاد العالمي تجاذبات كبيرة، وتوازنات جديدة، وتسعى فيه الدول القادرة على ذلك، ولا سيما في دول الخليج العربي، إلى التأقلم والإضطلاع بدور يحفظ مصالحها الحيوية.
على الصعيد الوطني، حدّدت المملكة لنفسها خارطة طريق واضحة ضمن «رؤية ٠٣٠٢»، وبوشر بتنفيذ المشاريع الضخمة الكفيلة بإنجازها، ومنها ما تقرّر بإنشاء شركة «نيوم»، وتحقيق حلم إنجاز منطقة حديثة منفتحة على المستقبل، على البحر الأحمر شمال غرب المملكة، في إطار السعي إلى تحقيق التنمية الشاملة.
وفي هذا السياق، أعلن سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، رئيس مجلس إدارة شركة «نيوم»، مطلع هذا العام، عن إطلاق مشروع مدينة «ذي لاين» التطويري الضخم، المعزّز بتقنيات الذكاء الإصطناعي وبالطاقة النظيفة، من ضمن المشاريع التطويرية ضمن «نيوم»، التي ستشكّل منطقة نموذجية في جميع المعايير.
وإذ تتبلور المشاريع الهادفة لتنويع أسس الإقتصاد الوطني، لا سيما على الصعيد السياحي، إستكملت فعاليات «رالي دكار»، بنجاح، بالرغم من التحدّيات والصعوبات الناتجة عن تعاظم مخاطر جائحة كورونا، والتي أربكت حركة الملاحة الجوية وكل عمل جماعي منظم.
أما على صعيد الإستنهاض الأشمل والعمل الدولي المشترك، فقد قام الأمير محمد بن سلمان بتأسيس «مبادرة مستقبل الإستثمار» عام ٧١٠٢، وتنظيم مؤتمر سنوي لتحقيق الغايات التي أنشئت من أجلها، تحت إدارة «صندوق الإستثمارات العامة»، الذي أصبح يعرف بمؤسسة «مبادرة مستقبل الإستثمار» منذ العام ٩١٠٢.
وقد تقرّر المضي قدمًا هذا العام، بفعاليات المؤتمر الرابع لـ«مبادرة مستقبل الإستثمار»، المعروف بصورة غير رسمية بـ«دافوس في الصحراء»، مع ما يستوجب من تأقلم مع واجابات التباعد الاجتماعي والقيود الخاصة بحصر الحضور الشخصي.
وهو سيعقد في العاصمة السعودية الرياض، ما بين ٦٢ و ٨٢ من الشهر الجاري.
فكيف أمكن للمؤتمر أن يتعاطى مع مخاطر جائحة كورونا في زمن التأجيل والإرجاء، وما هي أهميته والمشاركين فيه، والمواضيع التي ستُطرح عليه للنقاش؟
مؤتمر «مبادرة مستقبل الإستثمار»
هو مؤتمر عالمي على غرار «منتدى دافوس»، ويوصف بـ«دافوس في الصحراءس، يقام سنويًا في مدينة الرياض، لتحقيق أهداف «مبادرة مستقبل الإستثمار» التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وجذب المستثمرين الأجانب الى المملكة، وبناء شراكات مفيدة، وتعزيز فرص تحقيق «رؤية ٠٣٠٢»، الهادفة لتنويع وترسيخ الإقتصاد السعودي. كما تبحث خلاله المواضيع الجوهرية التي لها تأثير مباشر على البشرية ومستقبلها، كالتعليم، والصحة، والتصنيع، والخدمات، وتكنولوجيا المعلومات، والفضاء، والإتصالات، والشؤون العلمية والمالية والإقتصادية والإجتماعية. وتشارك عادة في فعالياته ومناقشاته، مجموعة كبيرة من القادة والخبراء والمستثمرين والمبتكرين، المؤهلين لتقديم مشاريع كفيلة بتذليل العقبات، وبإحداث التغيير الدافع باتجاه مزيد من التقدّم والإزدهار، ولا سيما من طريق زيادة حجم الإستثمار وفرص الإبتكار وتطوير التكنولوجيا.
تداعيات جائحة كورونا على المؤتمر
المؤتمرات الإفتراضية عبر الإنترنت ممكنة ومؤثرة بالتأكيد، إلاّ أنها لا تسمح بنفس التفاعل الإنساني المباشر، ولا تساعد على سبيل المثال على الإلتقاء والتحاور في الأروقة، وعقد إتفاقيات عمل مباشرة بين المشاركين، كتلك الخاصة بشروط الإستثمار أو غيرها.
لذا فإن منظّمي بعض المؤتمرات أو المهرجانات، يصرّون على الطابع الحضوري، والبعض الآخر يعتمد على العنصرين الحضوري والإفتراضي، ويعمد البعض الآخر للتأجيل أو الإلغاء.
وقد ذهب البعض الى حد القول أن «كوفيد- ٩١ ستقضي على «العولمة»، بما في ذلك حرية السفر والتبادل التجاري والتداخل بين الدول والشعوب، طالما أنها بدت كمتفرّع قاتل لأحد جوانب العولمة!
١- التداعيات على منتدى دافوس
لا بدّ من الإشارة أولاً الى أن جائحة كورونا، تسبّبت بتأجيل «المنتدى الإقتصادي العالمي»، المعروف بـ«منتدى دافوس»، الذي كان من المقرّر أن يلتئم ما بين ٥٢ و ٩٢ يناير ١٢٠٢، في إطار مناقشات كان من المفترض أن تجري بصورة حضورية وإفتراضية على السواء. وقد تمّ الإعلان أنه سيعقد في المبدأ مطلع الصيف المقبل، إذا ما سمحت الظروف بضمان صحة وسلامة المشاركين، وذلك في مكان سيتم الإتفاق عليه.
وفي هذا الخصوص، ورد في بعض وسائل الإعلام السويسرية، أن المنتدى قد يعقد إستثنائيًا في دولة آسيوية، ربما تكون سنغافورة، وذلك بسبب إنتشار الفيروس في سويسرا نفسها.
الناطق بإسم المنتدى كان قد إعتبر بأن هناك حاجة ملحة لجمع مختلف القادة، من أجل التخطيط والتعامل مع التغييرات العالمية المرتقبة بعد مرحلة «كوفيد -٩١»، علمًا بأن المنتدى كان بعنوان «إعادة الضبط الكبرى».
وبالرغم من ذلك، أبقيت إمكانية قيام القيادات الدولية المعنية بتبادل الآراء عبر خدمة الإنترنت، في إطار ما يسمى بـ«حوارات دافوس».
وفي هذه المناسبة، شارك سمو الأمير محمد بن سلمان في جلسة حوار خاص نظّمها المنتدى، من خلال رسالة وجهها من مدينة وأرض «العلا»، وعبر وسائل الاتصال المرئي، أظهرت قدرات المملكة وما تمتلكه من فرص إستثمارية كبيرة في العديد من القطاعات، والتي تصل قيمتها الى ٦ تريليونات دولار، وأعطى تصوّرًا متكاملاً لما يمكن القيام به لمواجهة التحدّيات، والتقدّم دون توقف، والسعي دومًا لتحويل التمنيات والأحلام الى وقائع. وقد تمّت هذه المشاركة بصورة تفاعلية، مع أكثر من ٠٦١ من قادة ورواد الأعمال المؤثرين الدوليين من ٦٣ دولة والعديد من القطاعات.
٢- تأثيره على «دافوس في الصحراء»
أما بالنسبة إلى مؤتمر «مبادرة إستثمار المستقبل»، المعروف بـ«دافوس في الصحراء»، فكان من المقرّر أن ينعقد ما بين ٨٢ و٩٢ أكتوبر ٠٢٠٢ في الرياض. إلا أن «مؤسسة المبادرة أعلنت عن تأجيله الى ما بين ٦٢ و ٨٢ يناير الجاري، بعد دراسة توقّعات السفر العالمية المتأرجحة، والقيود التي فرضّتها جائحة كورونا في العديد من الدول.
أي أن مخاطر الجائحة أدّت الى تأجيل أول، ولو لفترة قصيرة، بالرغم من أن المسؤولين عن التنظيم كانوا قد أخذوا كافة الأحتياطات والتدابير الإحترازية اللازمة في موقع إنعقاد المؤتمر، وعلى أرض المملكة، وأعدوا العدة من أجل تلافي المخاطر وإدارتها على الصعيد اللوجستي والصحي عند الإقتضاء، وكان لديهم خطة «ألف»، وخطة «ب»، لا بل خطة «جيم»، في ما لو لزم الأمر، كما قال كبير المسؤولين التنفيذيين للمؤسسة. وستنقل فعاليات المؤتمر عبر الإنترنت والأقمار الصناعية وشاشات تواصل في عواصم ومدن كبرى كباريس وبكين ومومباي ونيويورك.
المشاركون في «دافوس الصحراء»
سيكون المؤتمر برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ويشارك فيه العديد من المسؤولين والقياديين في القطاعين العام والخاص، ومجموعة من رؤساء الشركات العالمية الكبرى، ولا سيما في مجال التكنولوجيا والإتصالات والطاقة، ورجال أعمال ومستثمرين ومفكرين ومبتكرين.
ومن المتوقّع أن يشارك فيه أكثر من ٠٤١ متحدثًا يمثّلون ما يزيد عن ٠٤١ مؤسسة، وإن كانت جائحة كورونا ستجعل من الصعب بطبيعة الحال تأمين مشاركات حضورية واسعة كالسابق.
هذا وسيفتتح الإجتماع الأول محافظ صندوق الإستثمارات العامة في المملكة ورئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية «ياسر الرميان»، الى جانب «دايفد سولومون» الرئيس التنفيذي لشركة «غولدمان ساكس»، و«توماس غوتستاين» الرئيس التنفيذي لمجموعة «كريدي سويس»، و«راي داليو» رئيس مجموعة «بريدج ووتر أسوسيتس»، و«ماركو ألفاريز» الرئيس التنفيذي لشركة «سنام» الأيطالية للغاز، و«باتريك بويان» رئيس شركة «توتال» الفرنسية، وغيرهم؛ وسيتناقشون بصورة رئيسية في التصوّر الخاص بالإقتصاد العالمي وبمستقبل الإستثمار في قطاع الطاقة. سيتم ذلك بحضور سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة في المملكة، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في دولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور سلطان الجابر، واللورد «جيري جريمستون» وزير التجارة البريطاني، والدكتورة «رانيا المشاط» وزيرة التعاون الدولي في مصر، وغيرهم من ممثلي الدول.
أهداف المؤتمر
يهدف المؤتمر إلى التعمّق في كيفية مواجهة التحدّيات العالمية، وبحث المواضيع الإقتصادية والإجتماعية والبيئية والبنيوية العالمية المطروحة حاضرًا، أو تلك التي يمكن أن تستجد مستقبلاً في عالم متغيّر، وإقتراح مشاريع الحلول لها، وتبيان دور الإستثمار في تحفيز فرص النمو، وتعزيز جهود الإبتكار والإزدهار في المنطقة وفي العالم، خلال العقود المقبلة.
كما يهدف في الوقت نفسه إلى جذب الإستثمارات بإتجاه المملكة، التي تسعى لتنويع مصادر دخلها القومي وأسس إقتصادها، كي لا يرتكز بصورة حصرية أو رئيسية على النفط ومشتقاته.
وهو سيعقد تحت عنوان «النهضة الجديدة».
مواضيع النقاش
تتوزّع الأعمال بين نقاشات مفتوحة، وأخرى محدّدة لمواضيع مدرجة على جدول الأعمال، إضافة لورش تطبيقية.
من أبرز هذه المواضيع:
«مستقبل الإقتصاد العالمي»، مستقبل الإستثمار في قطاع الطاقة، «الذكاء الأصطناعي»، و«التحوّل الرقمي»، و«العملات المشفّرة»، و«الإستثمار في التحول»، و«التقنية كمصدر للفرص» و«تطوير القدرات البشرية»؛ إضافة لمواضيع تحاكي بعض الإسئلة المطروحة، ومنها:
«كيف يمكن لقادة الحكومات وكبار رجال الإعمال أن يتوصّلوا الى رؤية مشتركة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة المستقبل؟
«الى أي مدى ستسهم رؤوس الأموال الجريئة في تشكيل مستقبل الإبتكار»؟
«كيف ستغيّر التقنيات الغامرة من أسلوب حياتنا وأعمالنا، ومن كيفية صنعنا للأشياء»؟ (والمقصود بالتقنيات الغامرة، مجموع التقنيات التي تدمج الواقع الحقيقي بالواقع الإفتراضي، من طريق التفاعلات الحاصلة بين الإنسان وتكنولوجيا الكمبيوتر أو الأجهزة الذكية القابلة للإرتداء».
يتبيّن من كل ذلك، أنه بالرغم من الأجواء الدولية المتأرجحة على الصعيد السياسي، والمتأزمة على الصعد الصحية والإقتصادية والإجتماعية، وبالرغم من التوازنات الإقتصادية العالمية المتغيّة، لا سيما التجاذبات بين التكتلات الكبرى من الصين الى الولايات المتحدة الى أوروبا ومنطقة أورو-آسيا، نجحت معظم دول الخليج العربي، في المحافظة على سلامة مجتمعاتها، ودينامية إقتصادها، ورؤيوية خياراتها على صعيد التحديث والتنويع والتأقلم والإقدام بما تقتضيه روح المسؤولية والشجاعة والحكمة.
على أمل أن يشهد عام ١٢٠٢ تطوّرات أفضل من العام المنصرم، والمزيد من النجاحات ومشاريع الحلول، لما فيه خير شعوبنا ودولنا جمعاء.