سباق الهجن فـي دول الخليج وفي صحراء أستراليا… وصولاً إلى الميادين الفرنسية
سباق الهجن أو الهجانة، رياضة محفّزة توارثتها الأجيال العربية من جيل إلى آخر، وما زالت تستقطب عشرات ألآلاف من محبي السباق والإبل فـي دول الخليج، ولا سيما فـي دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الكويت ومملكة البحرين ودولة قطر وسلطنة عُمان.
وبالتالي، فإنها تعبّر عن تقليد حضاري وتراث ثقافـي عريق فـي شبه الجزيرة العربية، يكتنز فـي جوهره معاني الشهامة والشجاعة والإقدام والتنافس الشريف بين أصحاب الهجن، الذين يأتون بإبلهم من مختلف أنحاء البلاد؛ علمًا بأنه بوشر بإدخال المزيد من التقنيات التكنولوجية على طقوس السباقات، بما يتوافق مع التقاليد وموجبات الحداثة على السواء.
كما يمكن للهواة، خارج إطار السباقات نفسها، الإنخراط فـي لعبة الـ «بولو»، التي يوفّرها على سبيل المثال «نادي دبي للبولو والفروسية»؛ إضافة إلى إمكانية التمتّع برحلات على ظهر الجمال فـي الصحراء.
يقصد بـ«الهجن» أنواع الإبل التي تستخدم بصورة رئيسية للرياضة أو كمطية للإنتقال، ومن المستحسن والمفترض، أن تتميّز الإبل المعدّة للسباق، بنحافة الجسم والرشاقة وسرعة الجري والقدرة على التحمّل والإستجابة للتدريب.
إعتماد الـ«روبوت» فـي سباق الهجن
ليس من السهل على الهجن الإستمرار فـي سباق طويل قد يمتد من كيلومتر ونصف لغاية ٨ كيلومترات، مع حمولات بشرية أو غير بشرية ثقيلة على كاهلها؛ خاصة وأنه تمّ منع تشغيل الأطفال الصغار كـ«سائس» خفـيف الوزن على ظهر الهجن منذ عام ٢٠٠٢، وذلك تلافـياً لأي تعارض مع التشريعات الدولية. وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة سبّاقة فـي إقرار هذا الحظر الذي بات مطبّقاً فـي جميع دول الخليج.
من هنا جاءت فكرة إستبدال راكب الهجن بـ«روبوت»، على ظهورها، إبتكرته إحدى الشركات السويسرية بمواصفات تقنية مناسبة، وبشكل يتقبّله الإبل. تمّ تخفـيض وزن هذا الـ«روبوت» من ١٥ الى ٤ كلغ تقريباً، وثبّت عليه جهاز «توكي-ووكي» يسمح لأصحاب الإبل أو لمدرّبيها بتوجيهها خلال السباق، بالتكامل مع سوط آلي صغير يتحكّم به عن بعد. ويسير بموازاة الجمال المتسابقة لهذا الغرض بالذات، أسطول من السيارات تسمح لأصحاب الإبل أو لمدرّبيها بالتواصل معها وضبط إيقاع حركتها عن كثب إلكترونياً بواسطة جهاز الـ«ريموت كونترول»؛ وقد تمّ تعميم هذا التدبير التكنولوجي فـي جميع دول الخليج. ويفترض أن يكون قد تمّ ترويض هذه الجمال وتدريبها والإهتمام بصحتها وقدراتها مسبقاً، تماماً كما يحصل بالنسبة للخيول؛ علماً بأن الفوز يوفّر فرصة جيدة لربح الجوائز المالية المغرية ورفع سعر الإبل الفائز.
إهتمام الإعلام المحلي والأجنبي بسباق الهجن
يستحوذ سباق الهجن على إهتمام المواطنين والسياح ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وقد تجلّى ذلك مؤخراً ومجدّداً خلال بطولات مهرجان قرية المرموم التراثية التي تقع على بعد أربعين كيلومتراً جنوبي دبي. وتشمل هذه المهرجانات مجموعة أنشطة وإحتفالات الى جانب سباقات الهجن، وقد شارك فـيها ألآلاف، من عرب وأجانب، رغبة منهم بالترفـيه أو بالفوز بالجوائز المرصودة، علماً بأن قنوات التلفزة المحلية كـ«قناة دبي ريسنج» تنقل مباشرة هذه السباقات على شاشاتها، وكان آخرها «كأس دبي العالمي ٢٠١٩».
أما سباقات الهجن المختلفة فـي السعودية، ولا سيما تلك التي تنظّم ضمن فعاليات مهرجان الملك عبد العزيز للإبل، والتي أقيمت فـي نسختها الثالثة هذا العام، فـيتمّ «التحضير لها دومًا» بكثير من العناية والتفصيل، وتلقى إهتماماً كبيراً، وتشارك فـيها هجن أصيلة مختلفة الأنواع من الجزيرة العربية ومن شمال أفريقيا والسودان، ولا سيما الهجن العمانية التي تمتاز برشاقتها ورقّتها؛ علماً بأن الناقة البيضاء المغاتير هي الأغلى.
وهذا العام، بلغ عدد الإبل المشاركة فـي الفعاليات المختلفة لمهرجان الملك عبد العزيز للإبل فـي الصياهد، أكثر من ثلاثة آلاف مطية، تعود ملكيتها إلى ١٠٥٦ مواطنًا خليجيًا، وإستقطب عشرات آلاف الزائرين؛ علمًا بأن القناة الرياضية السعودية والعديد من القنوات الخليجية تبث مختلف السباقات والمهرجانات والبرامج التي تصاحبها. ومن المهرجانات المرموقة بإمتياز «المهرجان الوطني للتراث والثقافة» (الجنادرية)، الذي يتضمّن سباق الهجن السنوي الكبير برعاية خادم الحرمين الشريفـين.
من جهتها لاقت فعاليات بطولة الكويت الدولية الـ19 لسباقات الهجن ٢٠١٩، على مضمار الشهيد فهد الأحمد، تحت رعاية سمو أمير البلاد، خلال شهر فبراير الماضي، تغطية واسعة، خاصة وأنها تلقى متابعة جماهيرية كبيرة جداً، ونجاحاً مستمراً منذ إنطلاقها قبل 19 عامًا. وهكذا فـي بقية دول الخليج، من دولة قطر إلى مملكة البحرين الى سلطنة عُمان.
وعبّرت قناة الـ CNN فـي تقارير عديدة لها، عن إعجابها بحسن تنظيم هذه المباريات، التي تلقى رواجاً كبيراً ومتجدّداً فـي دول الخليج، مشيرةً الى أن الجوائز التي يمكن أن تذهب الى المطايا الفائزة، يمكن أن تصل لغاية المليونين، والى أن «الفحول» تباع بأسعار مرتفعة جداً. وأبرزت أن هذه الرياضة هي جزء من الثقافة الخليجية والعربية. ونقلت القناة عن أحد أصحاب الإبل، أن بعضهم يغذيها بالعسل بآلاف الدولارات، ويعتني بها عناية دقيقة وكاملة.
كما كانت القناة قد لفتت الى أن مهرجان ولي العهد السعودي للهجن، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود فـي الطائف عام ٢٠١٨، الذي إختتمت فعالياته بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد ابو ظبي ومسؤولين خليجيين رفـيعين، قد تمّ تكريسه على أنه أكبر مهرجان لرياضة الهجن فـي العالم وفقًا لموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية.
ومن جهتها أكدّت قناة «سكاي نيوز»، على أن سباقات الهجن تراث قديم جداً فـي دول الخليج، ولا سيما فـي السعودية ويميّز هويتها وعمقها الحضاري.
أما الصحف والمجلات الفرنسية، ولا سيما مجلة «باري ماتش» الشهيرة، فقد باتت تغطّي بكثير من الإهتمام مباريات سباق الهجن فـي الخليج والمغرب العربي، خاصة وأن الإهتمام الشعبي فـي هذه الرياضة بدأ يتنامى فـي فرنسا نفسها.
يُعتبر سباق الهجن رياضة محبّبة فـي دول أخرى غير خليجية، كمصر والأردن ودول المغرب العربي وباكستان ومونغوليا وصولاً إلى أستراليا. وهي مناسبة فـي هذه الدول للمواطنين والسياح لمتابعة هذه الرياضة ولإجراء الرهانات والترفـيه.
وقد تمّ الإعلان حديثاً عن تأسيس «إتحاد دولي للهجن»، برئاسة المملكة العربية السعودية ومقره الرياض (ICO)؛ إلتأمت جمعيته التأسيسية خلال شهر مارس ٢٠١٩، بمشاركة ممثّلين عن ست وتسعين دولة.
تجدر الإشارة إلى أن أستراليا تحديداً، إستوردت العديد من الجمال من الهند وأفغانستان ودول المغرب والخليج العربي، منذ أواخر القرن التاسع عشر، لإستعمالها لنقل البضائع فـي الداخل الصحراوي، قبل أن تحل السيارات والقطارات مكانها إعتباراً من عام ١٩٢٠، فتركت الجمال فـي الطبيعة. لذا تكاثرت وأصبح عددها يقدّر بأكثر من مليون ونصف، ما بات يسبّب إشكالية للأستراليين، بالرغم من مساحة بلادهم الشاسعة؛ إذ إن عدد الجمال يتضاعف كل عشر سنوات تقريبًا، وهي بدأت تقترب من المدن والطرقات السريعة وتعبث ببعض المنشآت، سعيًا للشرب والبحث عن أطعمة.
ومن بين مباريات سباق الهجن التي تستقطب العديد من السياح فـي أستراليا، نذكر سباق الـ«كاميل كاب» الذي ينظم كل عام، منذ سنة ١٩٧١، فـي مدينة «أليس سبرينغ» شمال أستراليا، إلى جانب إحتفالات ترفـيهية مرافقة أخرى؛ إضافة السباق الذي تجريه مدينة «بوليا» النائية كل عام فـي صحراء ولاية «كوينسلاند» خلال شهر يوليو.
حتى فـي فرنسا، إستهوى سباق الهجن بعض الهواة بعد أن إختبر أحدهم، وهو «أوليفـيي فـيليبونو»، هذا النوع من السباق فـي تونس، وأسس بعدها جمعية «دروماس» لهذا الغرض. هذا وقد أقيمت مباراة «كأس بطولة فرنسا» الأولى لسباق الهجن عام ٢٠١٢، فـي منطقة الـ«سارت» الفرنسية، وبعدها فـي منطقة «ليون»، وغيرها، وبات هناك فريق فرنسي لـ«ركبى الإبل»، نظرًا لتنامي الإهتمام بهذه الرياضة.
تجدر الإشارة الى أن بطولة فرنسا لسباق الهجن لعام ٢٠١٩، سوف تجرى مبدئيًا فـي منطقة «إيكس لي بان» السياحية جنوب فرنسا، بتاريخ ٢٨ يوليو المقبل.
والجدير بالذكر أنه بإمكان الهجن الجري بسرعة قصوى قدرها ٦٥ كلم فـي الساعة، إذا كانت المباراة لمسافات قصيرة؛ وبإمكانها أن تحافظ على سرعة ٤٠ كلم فـي الساعة طيلة ساعة كاملة.
أخيرًا، هنيئًا لمحبي ومشجّعي سباق الهجن على تعلّقهم بهذه الرياضة المتسمة بالشهامة والنبل، والتي تساهم فـي تكريس إستمرارية التراث وتطوره، إضافةً إلى ما توفّره من ترفـيه سليم لجمهور المواطنين والهواة، برعاية السلطات الرشيدة والحاضنة.