الحيوانات الأكثر فتكًا بالإنسان
قد يتبادر الى الذهن أن الحيوانات الأقوى كالأسد، أو المتوحشة كالذئب، أو المقززة كالضبع ، أو العدائية كسمك القرش، هي الأكثر فتكًا بالإنسان … إلاّ أنه بعد مراجعة الوقائع، ومقارنة الأرقام والإحصاءات، يتبيّن أن الحيوانات الأكثر فتكًا وإيذاءً للإنسان على أرض الواقع ، ليست بالضرورة الحيوانات المفترسة أو الشرسة أو الضخمة.
لقد أظهرت الدراسات فعلاً، أن الترتيب التسلسلي للحيوانات إستنادًا لعدد الأشخاص الذين تتسبّب بقتلهم جرّاء عدوانيتها أو سمومها أو الفيروسات التي تنقلها ، يشير إلى أن الحيوانات الأكثر فتكًا قد تكون تلك التي لا أنياب أو مخالب لها.
مصادر هذا المقال متنوعة، منها المعلومات المنشورة على “Blog” بيل غيتس نفسه، ومنها ما هو خلاصة دراسات صادرة عن منظمة الصحة العالمية ، ومصادر أخرى كمراكز البحوث والصحف العالمية … وقد تكون بعض خلاصات هذه الأبحاث مفاجئة .
ولا بد من الأشارة بدايةً ، الى أن الأرقام تبقى تقريبية ، نظرًا لعدم قيام جميع الدول بتعداد حالات الموت التي تتسبب بها الحيوانات وتسجيلها بدقة. إلاّ أن الإحصاءات تقدّم سلم بيانات مفيدة ، وتعطي فكرة معقولة عن نسب وعدد الأشخاص الذين يموتون سنويًا في العالم من جراء تماسهم المباشر والظرفي مع بعض أنواع الحيوانات القاتلة :
الناموس
يتسبّب الناموس والبعوض بسبب كثرة أعداده وأنواعه، وصغر حجمه، وسهولة إستهدافه للإنسان وإمتصاصه للدماء (وخاصة الناموس الذي يطلق عليه تسمية “الناموس-النمر” ، بنقل الكثير من الأمراض والفيروسات والطفيليات القاتلة والمعدية . نذكر منها “المالاريا” ، و” حمى الدنج النزفية”، و”إلتهاب الدماغ”، وفيروس الـ”زيكا” المصفر ، و”الحمى الصفراء”، التي تسبّبت ، وما زالت تتسبّب في القارة الإأفريقية بشكل خاص ، بموت مئات آلاف الأشخاص، وأغلبيتهم من الأطفال ( ٧٢٥ إلى ٨٠٠ ألف شخص سنويًا في العالم) .
الأفاعي
تم إحصاء ٢٠٠ نوع سام منها ، و ٤٠٠ نوع غير سام .
تتسبّب الأنواع السامة بموت أكثر من ١٠٠ ألف شخص كل سنة ، من طريق اللدغ أو الخنق . تتجنّب الإنسان بشكل عام ولا تهاجمه ، ألاّ إذا شعرت بالخطر ، ما عدا بعض الأنواع، كالأفعى المعروفة بالـ”مامبا السوداء” في دول مثل الكونغو ، التي يشاع أنها تبادر كالبرق الى مهاجمة الإنسان ، ونشأت حولها في مخيلة الأفارقة الكثير من الأساطير .
الرخويات ، ولا سيما الحلزونات التي تتواجد في المياه الحلوة في الأنهر والمستنقعات
تنقل إلى الإنسان مرض الـ”بلهارزيوز” الذي يتسبّب بنزيف داخلي في المعدة . وهو نشط في أفريقيا (بما في ذلك في مصر كما هو معروف) وآسيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية . يصيب ٣٦٠ مليون شخص سنويًا، يموت منهم حوالى ٤٠ ألف شخص على أقل تقدير ، نظرًا لعدم إنتظام الإحصاءات .
الدودة الطفيلية “أسكاريس“
تظهر في المناطق الإستوائية بسبب المياه الآسنة وقلة النظافة، وتتسبّب بموت ما يقارب ٣٠ ألف شخص سنويًا”.
الكلاب
تتسبّب بقتل ٢٥ ألف شخص سنويًا، من طريق العض أو نقل فيروس “الكَلَب” ، الذي ينتقل كذلك من طريق حيوانات أخرى، ويودي في المجموع بحياة ٤٠ إلى ٧٠ ألف شخص .
حشرة الـ “ريدوف“
يطلق عليها بالإنكليزية تسمية “assassin bug” :، وهي حشرة مصاصة للدماء تحمل طفيليات مؤذية تطاول ٣٠٠ ألف شخص ، وتقتل ١٣ ألف شخص منهم سنويًا .
أنواع معيّنة من العنكبوت السام ، منها ما يدعى بـ “فونوتريا“
تتسبّب في أفريقيا ، في دول كالكونغو وأفريقيا الوسطى ، بمقتل ١٢ ألف شخص سنويًا .
ذباب الـ “تسي تسي”
يتواجد في أفريقيا الصحراوية، ويتسبّب بما يسمى “مرض النوم” ، ويقتل ١٠ آلاف شخص من أصل ٧٠ ألف مصاب سنويًا .
العقرب
يتواجد في أفريقيا وأميركا الجنوبية والمغرب العربي والشرق الأوسط بشكل عام . يختبئ تحت الحجارة أو حتى تحت الأسرة . يتعرّض مليون شخص للدغته سنويًا، يموت من أصلهم ما بين ١٥٠٠ و ٣٥٠٠ مصاب .
دودة الـ” تينيا “
تلتقط من طريق تناول لحم الخنزير أو لحم البقر، إذا لم يتم طهوه جيدًا . تستقر في الإمعاء والعضلات ، وأحيانًا في الجهاز الدماغي . تتغذى من الطعام الذي يدخل الى الجسم ، وتكبر لغاية ١٠ أمتار . تعالج بالأدوية، وطبيعيًا بقشر الرمان . لا عوارض لها سوى فقدان الوزن لدى حاملها ، وتتسبّب بموت ٢٠٠٠ شخص سنويًا .
التماسيح ، وخاصة تماسيح النيل
تتسبّب بقتل من ١٠٠٠ الى ٢٠٠٠ شخص سنويًا .
فيل البحر
يزن ٣ أطنان، ويتسبّب بقتل من ٣٠٠ الى ٥٠٠ شخص سنويًا.
الدبابير والنحل وخاصة ما يُعرف بـ “النحلة القاتلة” التي تهاجم من ضمن سرب كبير
تسبّب بمقتل ما بين ٦٠ و ٤٠٠ شخص على الأقل ، وفقًا للإحصاءات ، من جراء السمّ أو الحساسية التي تتسبّب بها اللدغة، خاصة إذا ما لدغت في منطقة الوجه أو الفم .
الفيلة
تتسبّب بمقتل ١٠٠ الى ٦٠٠ شخص سنويًا .
الأسود
بالرغم من سيادتها على الغابة وقوتها ، فإنها ليست من الحيوانات الأخطر على حياة الإنسان ؛ وهي تتسبّب كالنمور ، بمقتل ما بين ٥٠ و ١٠٠ شخص سنويًا في العالم .
قنديل البحر
يتسبّب بموت ١٠٠ شخص في السنة بسبب السمّالذي يحمله في أطرافه .
القرش
ضخّمت بعض الأفلام السينمائية، ولا سيما “شاركس” و “أسنان البحار” ، الصورة الهجومية لسمك القرش وخطرها على حياة الإنسان في مخيلة الكثيرين ، وإستهدافها المنهجي للسبّاحين ، بما فيه قرب الشواطىء .
والواقع أن هناك ثلاثة أنواع من سمك القرش من أصل ٥٣٠ ، تتميّز ببعض العدائية تجاه الإنسان، وهي “القرش الأبيض” و”القرش النمر” و”القرش الثور” . تعمد غالبًا الى مهاجمة الكائنات الحية المتحركة في محيطها، بما في ذلك الإنسان ، وتؤذيه جسديًا، دون أن تفترسه ، لأنها لا تستسيغ الهياكل العظمية ، كما تشير الى ذلك بعض الدراسات .
وبالرغم من الإنطباع السائد ، فإن القرش لا يتسبّب إلاّ بما معدله عشرة قتلى سنويًا . في المقابل يصطاد الإنسان مئات آلاف سمك القرش سنويًا ، خاصة وأنه من الأطباق المفضّلة في دول شرق وجنوب آسيا .
الذئاب
لا تسبّب سوى بقتل عدد قليل من الأشخاص سنويًا (في حدود العشرة) ، بالرغم من الإنطباع السلبي النمطي عنها وعمّا تشكّله من خطر ، في المخيلة العامة ؛ علمًا بأنها ما زالت تتواجد في العديد من الدول ، وأن فرنسا أعادت إدخالها على سبيل المثال، إلى غاباتها .
الجرذان
لم تشر الدراسات إلى ما تسبّبه الجرذان من قتلى سنويًا ، لأن وباء الطاعون، الذي نقلته الى الإنسان (بعد أن كانت قد لدغت بدورها من بعوض موبوءة) خلال فترات مختلفة من التاريخ ، قد تمت السيطرة لا القضاء عليه . فالبكتيريا ما زالت موجودة في عدد من الدول، في أفريقيا (خصوصًا مدغشقر) وآسيا الوسطى ، وحتى في غرب الولايات المتحدة (سجّلت بعض الحالات في كاليفورنيا نقلتها الكلاب البرية) . وقد سجّلت حوالى ٦٠٠ حالة وفاة من جرّاء المرض خلال السنوات العشر الماضية في العالم ، وإن كان أصبح قابلاً للمعالجة منذ العام ١٨٩٤ .
تجدر الإشارة إلى أن وباء “الطاعون الأسود” ، تسبّب في القرون الوسطى في أوروبا وحدها (١٣٤٧-١٣٥٢) بموت ٢٥ مليون شخص ، أي نسبة ٤٠ في المئة تقريبًا من السكان . وهو مرض أصاب الشرق الأوسط كذلك بقسوة ، ما بين ١٣٤٥ و ١٣٥٠ . وقد خسرت سوريا حينها على سبيل المثال ٤٠٠ ألف نسمة من أصل سكانها المليونين .
مشكلة الجرذان انها تتكاثر بأعداد هائلة ، وتتواجد في المدن والحقول والحدائق وبين المنازل وقرب المطاعم والمطارات . يمكنها أن تنقل بعض الطفيليات والأمراض في حال إقدامها على إيذاء الإنسان بأسنانها أو أظافرها (وإن كانت تميل الى الهرب) ، ويصعب التخلّص منهم . سعت مدينة باريس ومدن عالمية كبرى أخرى للقضاء عليها وفشلت ، وباتت تستسلم ببعض الحرج لرؤيتها في أماكن عامة ، بما في ذلك في باحات مسرح الـ”لوفر”.
العصافير والطيور
لا تذكر الدراسات كذلك، بالتحديد والتفصيل ، عدد الأشخاص الذين تتسبّب بموتهم العصافير والطيور .
ألاّ أن عدد الذين ماتوا في العالم من جرّاء ما سُمي بـ”الإنفلونزا الإسبانية” مثلاً ، أي من جرّاء فيروس نقلته العصافير أو الطيور على ما هو مرجّح خلال عامي١٩١٨ و ١٩١٩ ، بلغ ما يقارب الـ ٣٠ مليون شخص ، من أصلهم ١٨ مليون في الهند وحدها .
أما ما سُمي بـ “مرض الطيور” الذي يأتى من فيروس أصاب الدجاج وغيرها من الطيور الداجنة والبرية ، فلا ينتقل بسهولة الى الإنسان ، ما عدا بعض أنواعه كالـ “ه5ن1” والـ “ه7N9” التي تسبّبت بموت أكثر من ٥٠٠ شخص منذ بداية القرن . لذا فإن إحتمال أن ينتقل هذا الفيروس في أحد أصنافه مستقبلاً الى الإنسان يبقى خطرًا حقيقيًا ومقلقًا تدعو منظمة الصحة العالمية ومؤسسة “باستور” الشهيرة للتنبّه اليه.
حوادث تتسبّب بها الحيوانات
تتسبّب حيوانات مختلفة بحوادث سير قاتلة تعد بعشرات الآلاف سنويًا ، بسبب مرورها على الطرقات المحاذية للبراري والمشاعات ، وبشكل خاص الخنازير البرية والغزلان والثعالب .
وفي النهاية، تبقى حياة الإنسان معرضة دومًا لمخاطر جمة ، من الحروب الى التلوث والكوارث الطبيعية والأوبئة والفيروسات والضغط النفسي … إلاّ أن روح النضال التي يتمتع بها ، ومقدرته على المواجهة والإختراع والتغلب على الأمراض والشدائد وبناء مستقبل أفضل ، تبقى ميزة الإنسان الذي يتطلع دومًا بعزم وإيمان الى التأقلم والتقدّم والإرتقاء .