الرئاسة الأميركية…
الحرب لم تحسم بعد!
ومع بدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية فـي الثالث من نوفمبر المقبل بين ترامب الذي يسعى إلى البقاء 4 سنوات إضافـية فـي البيت الأبيض ومنافسه بايدن، تعلّم المسؤولون عن الحملات الحالية درسًا لا ينسى من انتخابات 2016، وهو أنه يمكن للمرشح أن يفوز بغالبية أصوات المقترعين، ويفشل فـي الوصول إلى البيت الأبيض. الضمانة الوحيدة للانتصار فـي الانتخابات الأميركية هي الحصول على 270 من الأصوات الـ538 فـي التجمع الانتخابي.
يتطلّع كل من ترامب وبايدن إلى النصر خصوصًا فـي الولايات المتأرجحة، التي تعد كل واحدة منها «ساحة معركة» انتخابية، لحسم النتيجة. ويعود السبب فـي ذلك إلى أنه منذ عام 2000 أصبح تصويت 38 من أصل ٥٠ ولاية محسومًا، وصار من السهل نسبيًا توقّع أي من الولايات الـ38 ستصوت للمرشح الديمقراطي أو التي ستصوت للحزب الجمهوري. غير أن الولايات الـ12 المتبقية لا تصوت باستمرار على أسس حزبية. ولذلك يمكن لهذه الولايات المتأرجحة عمليا أن تحدّد ما إذا كان هذا المرشح أو ذاك سيفوز أو يخسر فـي الانتخابات. وبما أن نظام التصويت الرئاسي يخصّص لكل ولاية عددًا محددًا من أصوات المجمع الانتخابي، يذهب هذا العدد إلى المنتصر فـي الولاية بصرف النظر عن هامش الفوز. ولذلك يمكن لعدد قليل من الولايات المتأرجحة أن يقرّر نتيجة الانتخابات.
ضرورات الفوز عام 2020
يعتقد كثيرون أن انتخابات عام 2020 ستحسمها 8 ولايات متأرجحة. ويركّز المراقبون أنظارهم على 6 منها، لأن ترامب تمكن من الفوز فـيها عام 2016 بعدما كانت قد دعمت باراك أوباما عام 2012، ويتوقّع أن تكون ميشيغن وبنسلفانيا وويسكونسن، أو ولايات البحيرات العظمى، مرة أخرى «ساحات معارك» انتخابية رئيسية، علما بأنها شهدت بعض أهم انتصارات الرئيس دونالد ترمب عام 2016. بفارق يصل أحيانا إلى أقل من نقطة مئوية. وهناك 3 «ساحات معارك» حسّنت هوامش ترمب فـي الانتخابات السابقة، وهي أريزونا وفلوريدا ونورث كارولاينا. ولدى هذه الولايات الست 101 من الأصوات الـ270 المطلوبة للفوز بالبيت الأبيض. فـي كل الاحتمالات، سيتعين على ترمب أو بايدن الفوز بما لا يقل عن 3 من هذه الولايات الست للحصول على الأكثرية فـي المجمع الانتخابي. وهناك من يترقّب النتائج خصوصًا فـي كل أوهايو وأيوا.
ويعتقد قليلون أن جورجيا وماين ومينيسوتا ونبراسكا ونيفادا ونيوهامشير يمكن أن تشكّل أرض مفاجآت. ويحذر كثيرون من هؤلاء من المبالغة فـي الاعتماد على الاستطلاعات، لأن الناس يمكن أن يقولوا إنهم سيصوتون لبايدن أكثر مما يصوتون بالفعل، محذرين أيضا من أن استطلاعات الرأي على الصعيد الوطني تشكّل «مؤشرًا ضعيفًا لكيفـية تأثير الولايات المتأرجحة على الانتخابات».
ويعود سبب وجود الولايات المتأرجحة إلى أن نظام الانتخابات الرئاسية مصمّم لتكون الولايات هي الوحدة القضائية المهمة فـي التصويت. ويعزى الفضل فـي ذلك إلى الانتخابات الرئاسية الشديدة التنافس عام 1800 بين المرشحين آرون بور وتوماس جيفرسون لزيادة الاهتمام السياسي بالفوز على ولايات معينة. وبعد ذلك، شرعت الولايات فـي اتباع نهج حازم للتأكّد من إحصاء عدد سكانها والإبلاغ عن ذلك إلى السلطات المختصة التي تحدّد بناء على ذلك عدد المندوبين من الولاية المعنية إلى التجمع الانتخابي. وبمرور الوقت، تعرف السياسيون على شكل الدوائر الانتخابية فـي كل ولاية.
عوامل مترابطة
هناك ثلاثة عوامل رئيسية يمكن أن تؤدي إلى حالات التأرجح، وغالبا ما تتداخل مع بعضها البعض. يتعلق العامل الأول بالمتغيرات السكانية، إذ تميل المدن لجانب الديمقراطيين خلافًا للريف المحسوب غالبا لصالح الجمهوريين. وعندما يغادر المواطنون السواحل ذات الميول الليبرالية أو المدن الكبرى ليستقروا فـي مدن أصغر أو مناطق ريفـية، يمكنهم تغيير التوازن بين الحزبين. ويرتبط العامل الثاني بالاستقطاب الآيديولوجي، فمركز بيو للأبحاث وجد أن الفجوة الآيديولوجية بين الحزبين بدأت تتسع فـي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وأوضح المركز أنه «قبل التسعينات، كان هناك عدد كبير من الجمهوريين الليبراليين فـي الشمال والديمقراطيين المحافظين فـي الجنوب. ويمكن لهذا الانقسام تغيير ما إذا كانت الولاية متأرجحة أو لا». ويربط كثيرون العامل الثالث بالسياسة المعتدلة: ففـي ولاية يوجد فـيها ناخبون أكثر اعتدالا، يضيق الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين، مما يجعل تحديد النتائج السياسية أكثر صعوبة. وأشار المركز إلى أن ولايات مثل ماين ونيوهامشير «لديها الكثير من الناخبين المعتدلين والمستقلين… الذين يقودون تلك التنافسية بين الحزبين»، موضحّا أنه مع تطور البلاد، تطور عدد وهوية الولايات المتأرجحة أيضا. وأضاف المركز أنه «كان لقانون حقق التصويت تأثير كبير بعد منحه للأميركيين من أصول أفريقية، الذين لم يتمكنوا من التصويت قبل 50 عاما فـي ولايات مثل تكساس ونورث كارولاينا وجورجيا.
إقبال قياسي
أظهر إحصاء نُشر فـي الولايات المتحدة، أنّ أكثر من 10 ملايين ناخب أميركي أدلوا بأصواتهم، سواء عبر البريد أو عن طريق الاقتراع المبكر، فـي الانتخابات الرئاسية المقرّرة فـي 3 تشرين الثاني/نوفمبر.
وقال «مشروع الانتخابات الأميركية» التابع لجامعة فلوريدا على موقعه الإلكتروني، إن «الناخبين أدلوا بما مجموعه 10,296,180 بطاقة اقتراع فـي الولايات المعنية»، فـي رقم قياسي. وأوضح المشروع أنّ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم حتى 12 أكتوبر، يزيد بأضعاف عمّا كان عليه عددهم فـي مثل هذه المرحلة قبل أربع سنوات، مشيراً إلى أنّ هذه الزيادة مدفوعة بالارتفاع الكبير فـي أعداد الناخبين الذين اختاروا التصويت عبر البريد، بسبب مخاوفهم من الإدلاء بأصواتهم شخصياً فـي غمرة أزمة فـيروس كورونا المستجدّ، ومع توقّع نسبة مشاركة قياسية بالانتخابات الرئاسية والمخاوف من انتشار كورونا، يحثّ مسؤولو الانتخابات على التصويت مبكراً. وكشف استطلاع لصحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي نيوز»، قبل يومين، أن المرشح الديمقراطي جو بايدن يتقدّم على الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بفارق 12 نقطة.
كما توقعت شركة «Five Thirty Eight» بنسبة 85 فـي المئة أن يفوز بايدن فـي الانتخابات. لكن مجلة «ناشونال انترست» الأميركية أنه يجب على محلّلي الاستطلاعات المضي قدماً بحذر.
وذكّرت فـي مقال بعنوان: «الاستطلاعات لن تحسم بين بايدن وترامب..كورونا والاقتصاد سيفعلان»، بأنه فـي عام 2016، أشارت التوقّعات الانتخابية إلى أن حظوظ وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون للفوز تخطت ال70 فـي المئة، لكن هذا لم يحدث بالطبع. فـي يوم الانتخابات، تحولت الولايات التي استطلعت آراؤها باللون الأزرق خلال حملتي كلينتون وترامب فـي الواقع إلى دعم ترامب، ومعظمها من الولايات المتأرجحة.
ومع ذلك، حافظ بايدن على هامش أكبر مع ترامب مقارنة بكلينتون، بما فـي ذلك فـي معظم الولايات المتأرجحة التي تميل إلى أن تكون بمثابة طرق لتحقيق انتصار قوي لكرسي البيت الأبيض.
منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر، حافظ نائب الرئيس السابق على تقدمه بنحو 8 فـي المئة فـي متوسط استطلاعات الرأي الوطنية ضد ترامب، وهو ما يقرب من هامش 3 فـي المئة أكبر من الذي حصلت عليه كلينتون خلال الفترة نفسها من عام 2016. من الواضح أن بايدن يتمتع بفارق أكبر فـي الاستطلاعات عن ما قبل أربع سنوات، مانحاً الديمقراطيين الأمل فـي أن يطرد ترامب من البيت الأبيض.
وتوضح المجلة أن بايدن يتقدم فـي ولاية ويسكونسن المتأرجحة بفارق 7 نقاط على ترامب. وفـي ميتشيغن، التي صوتت لترامب فـي 2016 علماً أنها لم تصوت للجمهوريين منذ جورج بوش، يتقدم بايدن بأكثر من 8 نقاط. فـيما عزز بايدن تفوقه الصغير على ترامب فـي فلوريدا إلى نقطتين بعد المناظرة الآخيرة. فـي أريزونا التي صوتت للجمهوريين مرة واحدة فـي آخر 50 سنة كانت لترامب، يتقدم بايدن بحوالي 4 نقاط.
إذن ما معنى كل ذلك؟ تجيب المجلة قائلة: «بشكل عام، فإن استطلاعات الرأي للولايات المتأرجحة أفضل لبايدن وأسوأ بالنسبة لترامب. يعزو بعض محللي استطلاعات الرأي تراجع ترشيح الرئيس إلى سوء تعامله مع كورونا».
لكن مع اقتراب موعد الانتخابات، فإن الناخبين يرفضون الاعتماد على دقة استطلاعات الرأي، كما فعلوا فـي عام 2016. على الرغم من أن تقدم بايدن فـي الولايات المتأرجحة يحقق نتائج أقوى عموماً من كلينتون، فإن نتائج الانتخابات الحقيقية تظل غير مؤكدة مع استمرار جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية.