كيف تحوّل الرياضة الى جزء من روتينك اليومي؟
لا يختلف اثنان على أهمية الرياضة في عالمنا المعاصر، ومنافعها على صحّتنا الجسدية والنفسية. فالجلوس لساعات طويلة وراء الشاشات يترك آثاره السلبية على أجسادنا إذ تزيد أوجاع الظهر ومشاكل السُمنة، كما يلعب دورًا في تقليل إفراز هورمونات السعادة، فيسلب منّا الشغف بالحياة. وبما أن الشاشات أصبحت واقعًا في حياتنا اليومية لا يمكن تخطّيه، إلا أنه يمكننا مواجهة سلبياته بممارسة الرياضة. ولكن كيف نحافظ على التزامنا بالرياضة وكيف نحوّلها الى جزء من الروتين اليومي؟
ينصح الأطباء بممارسة الرياضة يومياً من أجل تحسين الحالة الصحية والنفسية، وتقليل ضغوط الحياة. وتقول الإذاعة الأميركية العامة، إنها أجرت دراسة مع باحثين من المركز الطبي لجامعة كولومبيا، وأكثر من 20 ألف مستمع في 2023، ووجدت أنه كلما تحرّك الناس أكثر، شعروا بتحسَن وتعب أقل، وتركيز أفضل.
المقدار المثالي للرياضة يومياً
قبل التخطيط لروتين الرياضة، علينا تحديد المقدار المثالي للرياضة في اليوم أو في الأسبوع. إذ يصاب بعض ممارسي الرياضة بالحيرة عند محاولة التأكد، كم من الوقت يلزم لممارسة الرياضة حتى يحققون نتائج أفضل؟، خاصة وأن هناك زخمًا من الجداول الزمنية المزدحمة وبرامج التمارين الرياضية التي لا تُعدَ ولا تحصى، والتي تَعد بإصلاحات سريعة. لكن من الهام فهم ما يقوله العلم عن المدة المثالية لممارسة الرياضة.
وهنا تجدر الإشارة الى أن منظمة الصحة العالمية WHO وجمعية القلب الأميركية AHA، توصيان بما لا يقل عن 150 دقيقة من التمارين الهوائية المتوسطة الشدّة في الأسبوع. وهو ما يترجم إلى 30 دقيقة فقط في اليوم، خمسة أيام في الأسبوع.
إذا كان الشخص يفضل الأنشطة الأكثر قوة، مثل الجري أو التدريب المتقطع عالي الكثافة HIIT، فإن التوصية تنخفض إلى 75 دقيقة في الأسبوع.
وتدعم الأبحاث العلمية هذه الإرشادات، إذ تُظهر أن حتى الحد الأدنى من “جرعة فعالة” من التمارين يمكن أن تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري وبعض أنواع السرطان. وكشفت دراسة، أجريت عام 2019 ونُشرت في الدورية البريطانية للطب الرياضي، أن ممارسة الرياضة لمدة 15 دقيقة فقط يوميًا ، يمكن أن يطيل متوسط العمر الصحي المتوقع بثلاث سنوات، ما يثبت أنه حتى فترات النشاط القصيرة يمكن أن تحدث فرقًا.
كثافة وجودة التمارين
في حين أن قاعدة الـ 150 دقيقة هي خط أساس رائع، لوضع استراتيجية ناجحة لروتين رياضي أسبوعي، إلاّ أنّ هذه القاعدة عليها أن لا تقتصر على مدّة ممارسة التمارين الرياضية وإنما على نوعيتها كذلك. إذ تشير الأبحاث في الكلية الأميركية للطب الرياضي ACSM إلى أن التمارين ذات الكثافة الأعلى يمكن أن توفر فوائد مماثلة، إن لم تكن أكبر، في وقت أقل.
إن المفتاح هو إيجاد توازن بين الكثافة والمدة التي تناسب الجسم ومستوى اللياقة. يمكن أن يساعد مزيج من الأنشطة المعتدلة والقوية في تحقيق الأهداف دون زيادة تحميل الجدول الزمني.
تمارين القوة
تحظى تمارين القلب والأوعية الدموية مثل المشي والجري، بغالبية الاهتمام عند الحديث عن الروتين الرياضي، لكن تدريبات القوة هامة بالقدر نفسه. إذ توصي جمعية القلب الأميركية بدمج أنشطة تقوية العضلات يومين على الأقل في الأسبوع. يجب ألا تكون هذه الجلسات طويلة – حتى 20 إلى 30 دقيقة من تدريب المقاومة ، وهي يمكن أن تحسن كتلة العضلات وكثافة العظام والصحة الأيضية.
وقد أظهرت دراسة، نُشرت في دورية علم وظائف الأعضاء التطبيقية، أن 11 دقيقة فقط من تدريب القوة ثلاث مرات في الأسبوع يمكن أن يؤدي إلى تحسينات كبيرة في قوة العضلات.
قوة التمارين القصيرة
بالنسبة لأولئك الذين لديهم جداول زمنية مزدحمة، يمكن أن تكون التمارين القصيرة – والتي تسمى أحيانًا التمارين الصغيرة – بمثابة تغيير كبير. أظهرت دراسات حديثة، بما يشمل دراسة من دورية جمعية القلب الأميركية، أن تقسيم تمرينك إلى جلسات أقصر طوال اليوم يمكن أن يكون بنفس فعالية التمارين الطويلة.
على سبيل المثال، يمكن أن توفر ثلاث جلسات مدتها 10 دقائق موزعة على اليوم نفس الفوائد القلبية الوعائية مثل جلسة واحدة مدتها 30 دقيقة. يمكن اختيار ممارسة رياضة المشي السريع أو دوائر القوة السريعة، بحسب ما يكون سهلًا وملائما لكل شخص.
الراحة والتعافي
في حين أنه من المغري أن يدفع الشخص نفسه لممارسة المزيد من التمارين الرياضية للحصول على نتائج أسرع، فإن الراحة والتعافي من المكونات الأساسية لروتين اللياقة البدنية الناجح.
ويمكن أن يؤدّي الإفراط في التدريب إلى الإصابات والإرهاق، وحتى تقليل فوائد التدريبات الرياضية. تؤكد الكلية الأميركية للطب الرياضي ACSM على أهمية الاستماع إلى الجسد وإضافة أيام راحة للسماح للعضلات بالإصلاح والنمو بشكل أقوى.
إدخال الرياضة في الروتين اليومي
بعد الاطلاع على حاجاتك الأسبوعية من الرياضة عليك وضع جدول زمني محدّد يتوافق مع مشاغلك اليومية وأهدافك الصحية والأهم أن يكون واقعيًا وقابلاً للتطبيق. حدّد هدفاً معقولاً، ولكن حاول أن تجبر نفسك على الالتزام به. ضع البرنامج في مكان واضح تقع عليه عيناك بشكل تلقائي وعفوي كلّ يوم. من المفيد ضبط موقت لتذكيرك بممارسة الرياضة. كما ينصح الخبراء بتخصيص دفتر خاص بالملاحظات لمتابعة التطوّر من خلال تسجيل نسب التزامنا ومتابعة تحسّنِنا الأمر الذي سيشجّعنا على المتابعة ورصد المعوقات التي تحول دون التزامنا لحلّها.
وقد أظهرت الدراسات الى أن تشارك مهمّة إدخال روتين الرياضة الى الحياة اليومية مع أحد الأصدقاء أو أفراد العائلة والزملاء في العمل، يزيد من فرص نجاح هذه المهمة. فوجود أشخاص يحملونك المسؤولية، ويسمحون لك بأخذ فترات راحة، والتحرك، خطوة هامة نحو إضافة الرياضة لحياتك اليومية.