احتفالات الـ “باو-واو” في كاليفورنيا تجسد ثقافة القبائل الأصلية الأميركية
تعكس ولاية كاليفورنيا الأميركية، المصنفة واحدة من أكبر الولايات الأميركية، والتي تحتضن بمناظرها الطبيعية وسواحلها الخلابة ومدنها المشمسة النابضة بالحياة كسان دييغو وسان فرانسسكو وغيرها من مدن الولاية، مزيجًا فريدًا من الحداثة والأصالة. كما تتجلى أهمية هذه الولاية في وادي السليكون كأشهر المراكز التكنولوجية في العالم، التي تتناغم بشكلٍ فريد مع الثقافات الغنية والمتنوعة بما في ذلك ثقافة السكان الأميركيين الأصليين، والتي يمكن للزوار، معاينتها عن قرب والانغماس في تفاصيلها عبر مشاركتهم في مهرجانات الـ “باو-واو” الثقافية التفاعلية.
إرث القبائل الأميركية الأصلية
تتمتع كاليفورنيا بتراث أميركي أصلي عريق يمتد على طول الولاية، وتُعد موطنا لأكثر من 100 قبيلة، تمتد مواطنهم من غابات أشجار السيكويا -الأطول في العالم- بالمناطق الشمالية للولاية، وصولاً إلى الصحراء على طول الحدود المكسيكية، لترسم لوحة حية للإرث الدائم لسكانها الأصليين. وفي حين تقتصر الاحتفالات والطقوس الدينية للسكان الأصليين في ولاية كاليفورنيا الأميركية على أفراد القبائل فقط، تمنح احتفالات الـ “باو- واو”، التي تمتد عروضها من يوم واحد إلى أربعة أيام، مجتذبة الراقصين والمغنين والفنانين والتجار والسائحين، لتمنح الجمهور فرصة تجربة الجوانب الأصيلة من ثقافات السكان الأصليين بشكل مباشر.
مهرجانات الـ “باو-واو”: فعاليات تفاعلية ورقص وغناء
تجتمع القبائل الأصلية في مهرجانات الـ “باو-واو”، من جميع أنحاء الولايات المتحدة معًا للرقص والغناء وقرع الطبول وإقامة الولائم لتكريم تقاليد أسلافهم، بحضور الزوار من أرجاء العالم قاطبة، بمن فيهم الزوار من الشرق الأوسط. يمكن تصنيف فعاليات “باو-واو” الحديثة إلى نوعين، الأول فعاليات تنافسية، وفيها تقدم جوائز مالية كبيرة في مختلف فئات الرقص والموسيقى النموذجية، يتنافس خلالها مجموعات من المطربين والراقصين، الذين يسافر بعضهم في جولات وطنية على مدار العام، للحصول على أعلى الأوسمة والجوائز المالية. بينما يشارك في النوع الثاني من الفعاليات التقليدية، والتي يغيب عنها الطابع التنافسي، العديد من الراقصين والمغنين لمجرد تكريم التقاليد الثقافية وتطبيقها. تقدم إلى جميع المشاركين أو بعضاً منهم -أول 10 أو 20 راقصا يتم تسجيلهم- مبالغ يومية صغيرة، لكن كلا الفريقين يشتركان في ترتيب الأنشطة وأنماط الغناء والرقص. ويرتدي المشاركون من مختلف الأعمار، بمن فيهم الأطفال وحتى شيوخ القبائل، ملابس احتفالية رائعة ومبهجة متقنة التصميم من الريش، والأجراس والخرز والأصداف، في تجربة سياحية ثقافية غير مسبوقة. ويقول موقع مهرجان “مورونجو الرعد والبرق باو-واو”، والذي تنظمه قبيلة مورونجو من القبائل الأصلية الأميركية، وهي إحدى القبائل المئة المعترف بها فيدراليا في ولاية كاليفورنيا، إن الروح الجامعة لفعاليات “باو-واو” تؤكد على الدور الخاص لكل مشارك في الحدث. “لا يوجد متفرجون في باو-واو، فجميع الحاضرين يعتبرون مشاركين؛ إذ أن لكل منا مكانه في دائرة الناس، وبداخلها ليس ثمة بداية ولا نهاية، بل تفاعل مستمر، هذا التكاتف والتفاعل هو قلب الـ باو-واو المتوارث.”
مهرجان مورونجو الأفضل من نوعه
يعد مهرجان مورونجو، نسبة إلى محمية مورونجو للسكان الأصليين عند سفح جبال سان جورجونيو وسان جاسينتو الجميلة، الأفضل من نوعه، ليس فقط في ولاية كاليفورنيا، بل في جميع الولايات الأميركية، حيث ينظم الحدث بحضور قرابة 25 ألف شخص ويجمع بين قبائل مختلفة، ما يسمح للزوار والسياح بمشاهدة الوحدة والتقاليد المشتركة لمختلف مجتمعات الأميركيين الأصليين والمشاركة في فعالياتهم وطقوسهم. تقام سنويا العديد من تلك المهرجانات في جميع أنحاء ولاية كاليفورنيا، إلا أن شهر سبتمبر من كل عام يُعدّ الأكثر ازدحاماً على نحو خاص.
تقاليد الـ “باو-واو”
قبل وقت طويل من استكشاف الأميركتين، كانت التجمعات الشبيهة بـ “باو-واو” موجودة في معظم المجتمعات الاصلية، وعادة ما ارتبطت رقصات السكان الأصليين بواحدة من أربع مناسبات: الاحتفالات الدينية، واحتفالات العودة للوطن بعد الفوز في المعارك، والاحتفالات بالتحالفات الجديدة، والفعاليات التي ترعاها مختلف المجتمعات المحاربة. مع بداية عصر المحميات، قرابة العام 1880، بدأ الراقصون والمغنون الهنود بالسفر مع عروض “الغرب الجامح – وايلد ويست”، وسرعان ما طوروا عناصر جديدة اجتذبت الجماهير، كالعرض الافتتاحي في الساحة، وهو ما يسبق فقرة “الدخول الكبير-غراند إنتري” في مهرجانات الباو-واو الحديثة. يمكن للحضور أيضاً الاستمتاع بتجربة مجموعة متنوعة من الرقصات التقليدية ذات الأهمية الفريدة للقبيلة، فالحركات الرشيقة في رقصة الشال الفاخر النسائية، أو رقصة جلد الغزال، إلى الخطوات القوية لرقصة الرجال المهيبة هي قصة أخرى تماماً، فكل رقصة تحكي قصة. تتكون رقصات الباو-واو من سلسلة من الدوائر، دوائر للرقص وأخرى للطبول. للدوائر رمزية مهمة في احتفالات الباو-واو، فهي تمثل دورة الحياة المستمرة، والترابط بين جميع الأشياء، إضافة إلى توافق الشكل الدائري للطبول مع رمزية الدائرة.