أيمن زيدان: يُتقن أدواره خلف الكاميرا وأمامها وعلى خشبة المسرح
بعد فترةٍ صعبة، عانى خلالها الممثل السوري أيمن زيدان ألم الفقدان وفراق الأحبة، مع رحيل ابنه الأصغر نوار، ومن بعدها شقيقه الممثل شادي زيدان، استأنف زيدان الذي يحمل لقب امبراطور الدراما العربية نشاطه الفني، وقدّم مؤخراً مجموعة من الأعمال الدرامية، ويحقق مؤخراً نجاحاً واسعاً في المسلسل المعرّب العميل. ويعود في الموسم الرمضاني 2025، بالمسلسل الجديد ليالي روكسي، الذي يشهد مشاركة مميّزة من الفنانين الكبيرين دريد لحام ومنى واصف، والممثلة السورية سلاف فواخرجي.
كانت سنوات الفنان السوري المخضرم أيمن زيدان، الذي اقترب من العقد السابع من عمره، حافلة بالشغف والاحلام، وقاسية بالخيبات والفقدان. هو أتقن ترميم ندوب الروح الغائرة، وهزم خيانات الجسد، إذ يعتبر أن الشيخوخة ليست سنين تمشي، بل عندما يشيخ الحلم.
المسرح شغفه الأول والأخير
يُعدّ أيمن زيدان رمزًا للدراما السورية، إذ استطاع من خلال أعماله الفنية المتنوعة أن يعبّر عن قضايا المجتمع السوري والعربي بطريقة مؤثرة وملهمة. قصته هي قصة فنان آمن بموهبته وتحدى الصعوبات ليصل إلى مكانته اليوم كواحد من أبرز الممثلين في العالم العربي.
عند البحث في أرشيف الفنّان أيمن زيدان ما بين المسرح والتلفزيون والإذاعة والسينما والإعلام والأدب، نكتشف محطات غنية كسرت قيود الروتين، فاحتوت على التأليف والإعداد والتمثيل والإخراج وإعداد وتقديم البرامج والإنتاج، لكن تلك المحطات على اختلافها لم تبعد زيدان عن الخشبة المسرحية بل زادته وفاء لها. تنوعت تجاربه المسرحية بين التمثيل والإشراف والإدارة والإعداد النصي المشترك مع الكاتب محمود الجعفوري لنصوص عالمية في الإخراج والتحكيم ومنها التمثيل في: حكايا الحكيم، الزواج، عنترة بن شداد، وحكاية بلا نهاية عام 1985 إخراج أسعد فضة، كما مثَّل أيضا في مسرحيات من إخراجه الشخصي.
وقام زيدان بالإشراف على مسرحية “المهرج” تأليف الراحل محمد الماغوط، وأخرج مسرحية “رحلة حنظلة” تأليف الراحل سعدالله ونوس، في إطار سياسي انتقادي هادف، أخرج مسرحية “فضيحة في الميناء” تأليف الإيطالي كارلو جولدوني، كما أخرج مسرحية “سوبر ماركت” عن نصّ “لا تدفع الحساب” للكاتب الإيطالي داريو فو، وأعاد إخراجها ثانيةً برؤية جديدة بعد إعداده للنص عام 2008، ومرة ثالثة أيضاً عام 2021 ، بإعداد نصّي مشترك مع الكاتب محمود الجعفوري. إلى جانب إخراجه عدد كبير من المسرحيات نذكر منها مسرحية “سيدي الجنرال” ومسرحية “راجعين” ومسرحية “ثلاث حكايا” للكاتب الأرجنتيني أوزوالدو دراكون. كما أخرج وأعدّ في عام 2023 نصّ مسرحية “السيرك” أيضاً للكاتب الأرجنتيني أوزوالدو دراكون، عن مسرحية “قصص تروى”، بطرحه لوحتي “ضربة شمس، والرجل الذي صار كلباً”.
وتتميّز تجربة الفنّان أيمن زيدان برؤية تطويرية واعية ومختلفة لملائمة المجتمع السوري من جهة، وتنظيم عناصر البناء الدرامي المسرحي وقيادة الطواقم الفنية وإرشادهم بعناية فائقة، والقدرة على إعادة ضبط بوصلة الجماهير وجذبها لخشبة المسرح من جهة أخرى.
نجاحات فنية بارزة وفشلٌ في السياسة والحب
أيمن زيدان، الذي دخل عالم السياسة، وانتخب نائباً في البرلمان السوري عام 1999، يعتبر أن الفن والسياسة عدوان تاريخياً، فالفن يحاول تغيير الواقع، أما السياسة فتحرص على إبقائه كما هو. واعترف بأنه فشل في السياسة لأنه ليس سياسياً ماهراً.
تزوج أيمن زيدان مرات عدّة ، لكنه يقول “لم ألتق المرأة التي أحبها حتى الآن، ربما يحصل ذلك في أية لحظة.. لا أدري”. وجسّد أيمن زيدان مراحل حياته من خلال مجموعات قصصية وأدبية، وكتب عن الذين علقوا هنا في متاهة عدم القدرة على العيش إلا تحت خط الفقر وعن الذين كانوا وقوداً لحرب ظالمة كانت ملهاة وتراجيديا، كتب عن الذين عاشوا أحلامهم الضائعة، وعايشوا موتها أمام أعينهم، عن الذين تاهوا في بلاد الله الواسعة، فقدوا ملامحمهم وعاشوا مأساة الغربة الخانقة دون أرباح تذكر غير الخيبة.
تمرّد على واقعه وحفر اسمه في عالم الفن والإبداع
ولد أيمن زيدان، في 1 سبتمبر 1956 في مدينة الرحيبة، وهو الأخ الأكبر للممثلين شادي زيدان ووائل زيدان، اكتشف حبه للفن عندما عمل في الإجازة الصيفية ملقنًا للنصوص المسرحية، وعرض الأمر على أسرته التي وجد منها معارضة لهذا الموضوع في البداية، ثم حدث الشيء الذي غيّر مسار حياته، وهو افتتاح معهد للفنون المسرحية في سوريا، فقرر الانضمام إليه فورًا وكان يبلغ من العمر آنذاك 22 عامًا.
عمل بعد تخرجه في المسرح فاشترك في مسرحيات عدّة، ممثلًا أو مخرجًا، وأعطى الكثير من إبداعه إلى المسرح القومي والمسرح الجوال، وسافر إلى ألمانيا للحصول على دورة في الإخراج المسرحي في برلين، بعدها بسنوات عدّة، صار مديرًا للمسرح الجوال، إلا أنه قرر خوض تجربة الوقوف أمام كاميرا التلفزيون لأول مرة عام 1983، عندما منحه المخرج مأمون البني دورًا في مسلسل “نساء بلا أجنحة”، ثم توالت أعماله بعد ذلك.
تميز زيدان بقدرته على تجسيد شخصيات متنوعة ومعقدة، ما جعله نجمًا لامعًا في عالم الدراما السورية. شارك في عدد من الأعمال التي حققت نجاحًا كبيرًا، مثل “نهاية رجل شجاع”، “يوميات مدير عام”، و”ألو جميل ألو هناء”. وأبدع في أدوار الكوميديا والدراما الاجتماعية، ما أكسبه شعبية واسعة في مختلف أنحاء العالم العربي. حصل أيمن زيدان على العديد من الجوائز والتكريمات طوال مسيرته الفنية، تقديرًا لإبداعه في التمثيل والإخراج.
بفضل أدائه المميّز، تمكن من كسب احترام النقاد والجمهور على حد سواء، واستطاع أن يحافظ على مكانته كأحد أعمدة الدراما السورية.